IMLebanon

التوافق الحقيقي.. على محك التأليف!

إرادة وطنية كانت، أو كلمة سر خارجية، أو حتى سحر ساحر، المهمّ أن مجلس النواب اجتمع بنصاب مكتمل بعد طول غياب وانتخب العماد عون رئيساً للجمهورية، لينهي عامين ونصف العام من فراغ مدوٍ أفرغ الدولة من مؤسساتها وعطل سائر مرافق الوطن الحيوية والمعيشية.

وعلى الرغم من قوة اندفاعة العهد عبر دخول العماد عون بعبدا، لما لهذا الانتخاب من دلالات، من حيث وصول «رئيس قوي» إلى سدّة الرئاسة، خطوة أعادت الاعتبار لفريق كبير من المسيحيين، لطالما اعتبر نفسه مهمشاً وخارج مظلة الدولة التي لا تمثله ولا تشبهه، إلا أن عوائق وعقبات كثيرة تنتظر هذا العهد، تبدأ من الحلفاء قبل الخصوم، حيث امتنع الرئيس برّي والوزير فرنجية عن التصويت لحليفهما، كما أعلن «حزب الله» امتناعه عن تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، في حين تأتي الرسائل واضحة من الثنائي الشيعي أن رحلة التأليف لن تكون نزهة سهلة، حيث افتتح البازار وسارع كل فريق إلى تسريب مطالبه ومطامحه من حصص وزارية، كمّاً ونوعية، حتى قبل أن تعلن نتائج المشاورات ويتم التكليف.

وبالتالي، إن تحدي انطلاقة العهد ونجاحه في ملء الفراغ فعلياً، وليس عينياً فقط، يقع بالدرجة الأولى على الفريق المحيط برئيس الجمهورية، واستعداده لفتح صفحة جديدة جامعة لكل الأفرقاء ضمن مركب وزاري متجانس قادر على تحقيق الخرق النوعي في إنتاجية الحكومة خاصة، وعمل مؤسسات الدولة عامة، حتى تترافق نهاية الأزمة المعيشية والاقتصادية مع بداية مرحلة سياسية مهمة، جمعت التناقضات لإنقاذ لبنان من الغرق في رمال المنطقة المتحرّكة. فهل سيكتب لهذه التجربة النجاح؟ وهل سيستمر التفاهم العوني مع حلفائه على الرغم من التباعد الواضح في السياسات العريضة والرؤيا العامة للوطن، بعدما انتقل الجنرال من مركز المؤسس لتيار الإصلاح والتغيير الى رئيس كل اللبنانيين؟

وهل سيسمح لتجربته مع الرئيس الحريري بالنجاح لتحييد الوطن الصغير عن نيران المنطقة والنهوض باقتصاده بعد طول ركود؟ أم أن الوصول إلى بعبدا كان البداية والنهاية معاً، ولن يمسك بمفاصل الدولة وقراراتها سوى قوى الأمر الواقع، ولن يُطلق العنان لرحلة التأليف أن تصل إلى خواتيمها السعيدة إلا إذا كانت ضمن شروط حلفاء الجنرال؟

ولكن مَن هو الطرف المستعد اليوم لتحمّل مسؤولية تبديد جرعة الأمل والتفاؤل التي سيطرت على الشارع من جميع الأطياف بغض النظر عمّا إذا كان مؤيداً للجنرال أم لا، آملاً أن ينسحب التوافق تحت مظلة الدولة مع الرئيس الحريري ومن يمثل من فريق سياسي بغض النظر عن اختلاف الفكر السياسي. إن الخوض في تجربة «المساكنة» السياسية التي يعيشها لبنان اليوم بين الرئاسات الثلاث تبقى حافلة بالتحديات، وإن نجحت إنما تثبت مستوى معيناً من النضج السياسي.. فلم يعد يكفي أن يكون الرئيس مئة بالمئة «صنع في لبنان». لا بدّ أن تنطلق رحلة إنقاذ ما تبقى من اقتصاد ومقومات دولة من إرادة لبنانية بحتة، تضع المصالح الخاصة والمحاصصة جانباً، ليس ضمانة لانطلاقة العهد القوية، بل تأكيداً لاستمرار لبنان، الدولة والمؤسسات والوطن النهائي لجميع اللبنانيين!