IMLebanon

ترامب في البيت الأبيض: عاصفة داخلية ودولية

تستعد الولايات المتحدة الأميركية ومعها العالم لاحتفال تسلّم دونالد ترامب سلطاته الدستورية كرئيس جديد للبلاد.

مردّ الاهتمام الدولي لا يعود فقط لكون الولايات المتّحدة الأميركية الدولة صاحبة النفوذ الأقوى على مستوى العالم وسط نزاعات وملفات معقّدة ومتشابكة تنتظر الحلول من خلال النفوذ الذي تستحوذه واشنطن، بل خصوصاً لأنّ القادم الى البيت الابيض آتٍ من خارج المفهوم التقليدي للرؤساء الأميركيين، وهو «مجهول» البرنامج ومواقفه تبدو صادمة وغريبة بعض الشيء.

فأن يُقدِم رئيسٌ منتخب على دعوة جميع السفراء الذين عيّنهم سلفه ووضع البلاد أمام مخاطر إحلال الفراغ على المستوى الديبلوماسي لمدة لا تقلّ عن الشهرَين ريثما يُصار الى تعيين بديل منهم لبلد مثل الولايات المتحدة الأميركية ووسط النزاعات الحاصلة ومشاريع الحلول المطروحة، فهي خطوة تدعو الى الخشية من نوع القرارات الذي ينتظر واشنطن ومعها عواصم العالم وساحات النزاع.

حفلة التنصيب التي ستُقام بعد أيام تبدو استثنائية ليس فقط على مستوى الرئيس الذي سيحلّ، إنّما أيضاً على مستوى الإجراءات الأمنية وسط تصاعد موجة الإرهاب في العالم، وحيث فرز المسؤولون الأمنيون 28 الف عنصر أمني لتأمين حماية الحضور الذي يزيد عن 700 الف مشارك بين مدعوّين ورسميّين وأشخاص عاديين.

حفلة ستشهد مشاركة 70 دولة، 40 منها ستتمثل على مستوى وزير الخارجية، لكنّ استثنائية المناسبة لا تقتصر على هذا الجانب فقط، بل تشمل حجم الاعتراض في وجه وصول ترامب.

فعدا مسيرات الاحتجاج التي بدأت في شوارع واشنطن، أعلن ثمانية من اعضاء المجلس النيابي مقاطعتهم حضور الاحتفال وأبرزهم جون لويس أحد نواب جورجيا الذي يُعتبر رمزاً من رموز الحقوق المدنية بحجة أنّ انتخاب ترامب لم يكن شرعياً.

وليس بالمسألة البسيطة أن تدخل الصحافة البريطانية الى جانب وسائل الإعلام الأميركية في حملتها ضدّ ترامب الى درجة أنّ «الأوبزرفر» اعتبرت في افتتاحيّتها أنّ حفلة تنصيب ترامب هي لحظة فزع وقلق ونذير شؤم، وأنّ سلوكه ليس سلوك رجال دولة.

هذا المناخ المعارِض والاستثنائي والأوّل من نوعه الذي تعيشه واشنطن مع تسلّم ترامب صلاحياته الدستورية إنما يعكس مسألتين اساسيّتين:

الأولى أنّ العاصمة الأميركية ستعيش تحت وطأة انقسام سياسي كبير لفترة لا بأس بها، على الأقل ما يفاقم من أزمة تراجع حضورها الدولي.

والثانية، أنّ القلق الأميركي الداخلي من دور روسي كبير على حساب المصالح الأميركية والأوروبية تجرى ترجمته بهجوم استباقي لفرملة أيّ جموح لترامب في هذا الاتجاه.

من هذا المنظار، توالت «الفضائح» حول ترامب وروسيا وازدادت الشكوك الى درجة أنها رفعت نسبة الأميركيين الذين يعتبرون روسيا مصدرَ تهديد لبلادهم من 76 في المئة الى 84 في المئة من الساحتين الديموقراطية والجمهورية.

بالتأكيد، فإنّ الإشارة الى وجود تهديد روسي مباشر على الأميركيين مسألة مبالَغ فيها كثيراً، لكنّ وجود مخاطر على الدول الأوروبية المجاورة لروسيا والتي بنَت علاقات تحالفية مع الولايات المتحدة الأميركية هي مسألة جدّية وواقعية، أضف الى ذلك وجود نيات روسية لفكفكة الحلف الاطلسي.

لذلك أمرت القيادة العسكرية الأميركية بنشر نحو اربعة آلاف جندي مع دباباتهم في بولندا في واحدة من اكبر عمليات نشر القوات الأميركية في أوروبا منذ زوال الإتحاد السوفياتي. كذلك نشر قوات عسكرية أميركية في أستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وبلغاريا والمجر وهي كلها دول مجاوِرة للحدود الروسية وتنتمي الى الحلف الأطلسي.

صحيح أنّ روسيا ردّت بتركيز بطاريات من طراز «اس 400» مضادة للطائرات وهي الأكثر تطوّراً في العالم حول موسكو، لكنّ كلّ ذلك لا يعني أبداً توتّراً عسكرياً فعلياً بمقدار ما هو تبادل رسائل من خلال إبراز العضلات العسكرية.

واشنطن أرادت القول إنّ القرار بالتوازن في أوروبا وبالحفاظ على حلف شمال الأطلسي هو قرار يتجاوز أيّ اعتبار، ويمسّ المصالح الحيوية العليا الأميركية، فيما الرد الروسي اكتفى بالاشارة الى أولوية الدفاع عن الأمن الروسي.

قبل ذلك سعت موسكو الى اجتذاب تركيا بعيداً عن واشنطن ومن خلال ازمة مصالحها في سوريا. وعلى رغم التجاوب الجزئي لإحدى اهم دول حلف شمال الاطلسي، إلّا أنّ حكومة رجب طيب أردوغان سرعان ما أعادت تموضعها حين طالبت موسكو بتوجيه دعوة لمؤتمر أستانة.

في أيّ حال، فإنّ العاصفة التي تواكب دخول ترامب الى البيت الأبيض تريح روسيا وتساهم في تقدّمها الناجح خصوصاً في الشرق الأوسط.

فترامب الذي يبدو أنه أوكل الى مستشاره للأمن القومي مايكل فلين مهمّة التواصل مع موسكو والذي عزّز حضور كبار الأثرياء الى جانبه يسعى الى إسكات معارضيه بقفزة اقتصادية وتوسيع دائرة الوظائف مع خطته بإعادة فتح المصانع داخل البلاد.

لكنّ ذلك قد لا يلغي المعارضة الشرسة لعلاقته بروسيا، وهو ما سيؤدّي الى تراجع تأثير البيت الأبيض في مسار التسوية المطروحة في سوريا برعاية روسيا التي ستسعى الى توسيع مساحة تأثيرها.

وفيما لا يَعد مؤتمر باريس حول التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية بأيّ جديد سوى بقرارات هدفها تكبيل اندفاعة ترامب في اتجاه سياسة بنيامين نتنياهو، وإنعاش الدور الفرنسي في الشرق الأوسط، برزت الى الواجهة فجأة الساحة الأفغانية مع تدهور كبير في الوضع الأمني، واستهداف غريب للامارات حيث تراجع الامل بقدرة الدولة الأفغانية خصوصاً بعد تراجع أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسط فضائح فساد واكتشاف توظيفات وهميّة لعشرات الألوف من الجنود.