IMLebanon

تغريدة مستحيل أن يوجّهها ترامب لطهران

 

 نيويورك تايمز

بعد الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في جميع أنحاء إيران، تعهّد الرئيس دونالد ترامب بتمييز نفسه عن الرئيس باراك أوباما من خلال تغريده علناً دعمَه للمتظاهرين. ولكن لم يكن لتلك التغريدات أيُّ تأثير.

وأحد الأسباب هو أنّه لا يمكن لترامب أبداً إرسال تغريداته القاتلة – تلك التي يمكن أن تنتشر في إيران وتزعزع النظام.

وعلى ماذا كانت ستحتوي تلك التغريدات؟ ربما على شيء مثل:

«أميركا تقف إلى جانب المتظاهرين الإيرانيين!!! لماذا كثير منهم آتون من الريف؟؟؟ هذا لأنّ الحرَس الثوري الإيراني أساء إدارة المياه الإيرانية لعقود. سرق كل المياه لشركاته، وللمقرَّبين منه، ولمزارع الفستق والسدود التافهة!!! والآن، زاد تغيّر المناخ والجفاف الأمور سوءاً، جابراً الإيرانيين على ترك أراضيهم. هذا ظلم!! هذا محزن!!»

وكان من الواضح أنّ عدّة تيارات غذّت الاحتجاجات الإيرانية. ونهاية الاسبوع الماضي، سردت صحيفة «التايمز» قصة مروّعة حول كيف تمكّن الفساد والاستثمارات الاحتيالية في المصارف التي يملكها النظام الإيراني الديني وحلفاؤه من الاحتيال على آلاف المدّخرين، ودفع بعضهم إلى الشوارع. ولكنّ الفساد البيئي كان أيضاً من أسباب الغضب.

سرق النظام الإيراني والحرس الثوري ثروة البلاد الطبيعية بنفس الطريقة التي سرقوا من خلالها ثروة المدّخرين. وبات تغيّر المناخ الآن يضخّم الكثير من أسوأ التأثيرات.

وهذا ليس شيئاً يمكن أن يغرّده رئيس أميركي يعتقد أنّ تغيّر المناخ هو مجرّد خدعة، ولكن هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل المظاهرات أكثرَ احتداماً تحديداً في المناطق التي تضرّرت من أزمة الجفاف والظواهر المناخية القاسية واستخدام المياه العشوائي الذي يفرضه رجال الدين الإيرانيون.

وشرح نيكاهانغ كوثر، وهو عالم جيولوجي إيراني منفي، ترعرع في جنوب إيران: «عندما يفقد الناس أراضيهم يفقدون كل شيء، وهذا يعني أنهم لا يخشون أيَّ شيء». مضيفاً: «أزمة المياه حقيقية وتقتل البلاد اليوم. فكمية المتساقطات انخفضت، بينما يزداد عدد السكان. هناك سياسات زراعية سيّئة وإدارة مياه سيّئة، والوضع يشبه قنبلةً موقوتة». ويتوقّع المسؤولون أنّه يمكن أن يُجبر ملايين الإيرانيين على مغادرة بلادهم قبل نهاية القرن.

والسبب هو الآتي: منذ الثورة في عام 1979، قامت إيران ببناء عدد هائل من السدود الكهرومائية. ووفقاً لتقرير من إيران نُشر في آذار 2015 في صحيفة «فايننشال تايمز»، جاء أنّ «على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، بنت إيران 600 سد – أي ما يعادل 20 سدّاً في السنة الواحدة- لريّ المزارع وتوليد الطاقة.

وليس واضحاً الكلفة التي تمّ إنفاقُها على هذه المشاريع، ولكن من المعتقد أنّها تأتي مباشرة بعد الغاز والنفط… وتمّ تحويل الكثير من الأموال عن طريق متعاقدين مرتبطين بالحرس الثوري. ويقول الخبراء إنّ سوءَ التخطيط و14 عاماً من الجفاف قد جعلا الكثير من هذه السدود عديمة الفائدة، وفي بعض الحالات، ساهما في زيادة الضرر البيئي في الدولة شبه القاحلة».

وبمجرد أن اكتشف بعض المزارعين أنّه لم تعد لديهم مياه لمزروعاتهم – لأنه تمّ الإفراط في استخدام المياه الجوفية، أو إنّه تمّ تحويل المياه إلى الشركات التجارية الزراعية الكبيرة المرتبطة بالنظام، أو إنّه تمّ بناء العديد من السدود، وثمّ أدّى ارتفاع درجات الحرارة إلى تقلّص البحيرات والأراضي الرطبة – هاجر العديد منهم إلى ضواحي المدن بحثاً عن العمل والغذاء والماء.

وأضاف كوثر الذي، إلى جانب خبرته بالمياه والجيولوجيا، هو أحد أبرز رسامي الكاريكاتور السياسي في إيران، الأمر الذي تسبّب بنفيه: «أنّ الحكومة لا تعطي العدد الصحيح للإيرانيين الذين فرّوا من الريف وهم يعيشون الآن في مدن الصفيح، ولكن يقدّر أن يفوق عددُهم الـ16 مليون نسمة، فيما كان 11 مليون عام 2013. هذه المدن، حيث فرص العمل نادرة، أصبحت مناطق ساخنة للإضطرابات»، خصوصاً بعدما خفّضت الحكومة الإعانات.

وشرح مقال لسكوت والدمان نشر في 8 كانون الثاني في مجلة «ClimateWire» أنّ: «الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد فهِم أنّ تغيّرَ المناخ وسوءَ إدارة المياه كانا يدمّران المزارع الأسرية، وكانت حكومته تقدّم الإعانات للأُسر التي عانت من أجل تأمين لقمة العيش، وفقاً لما قاله أمير هاندجاني، وهو زميل في «Atlantic Council’s South Asia Center»، الذي أضاف أيضاً أنه «عندما أشار الرئيس الحالي حسن روحاني، إلى أنه سيقلّل هذه الإعانات، انضمّ الإيرانيون الغاضبون في جميع أنحاء ريف البلاد القاحل إلى موجة الاحتجاجات.

وقال هاندجاني: «يعانون من تغيّر مناخي، ونقص المياه، ولا يستطيعون زراعة محاصيلهم، والآن ستسلب منهم الأموال المقدَّمة لدعمهم. إنّها سلسلة من المشكلات التي تحصل كلها في آن واحد».

وقصة إيران تكرّر نفسها في دول الشرق الأوسط – الضغوط البيئية ممزوجة مع الاستياء بسبب الفساد وسوء الحكم، أجّجت الانتفاضات. والأمر سيزداد سوءاً.

بين عامي 2006 و2011، عانت 60 في المئة من مساحة الأراضي السورية من أسوأ أزمة جفاف في تاريخ البلاد الحديث. جاء ذلك نتيجة سنوات من الإفراط في ضخ المياه الجوفية من قبل أزلام النظام.

أجبر الجفاف ما بين 800،000 إلى 1 مليون مزارع وراعي سوري على التخلي عن أراضيهم وحيواناتهم، والانتقال إلى حدود المدن والبلدات السورية، حيث اضطروا للبحث عن عمل. لم يساعدهم نظام الأسد بأي طريقة، وكانوا من بين أول من انضم إلى الثورة ضده.

لذلك، يا أولاد، إذا أردتم أن تفهموا سياسة الشرق الأوسط اليوم، تعلّموا اللغة العربية والفارسية والعبرية والتركية – ولكن الأهم من ذلك كلّه، تعلّموا علوم البيئة.