IMLebanon

زوار أنقرة: مَن قال إننا سنعترف يوماً بالأسد؟

يجزم العائدون من أنقرة في الأيام القليلة الماضية أنّ الحديث عن قمة سورية – تركية برعاية روسيا، تسريبة اعتبرتها موسكو «رواية مفبركة»، ورأتها أنقرة «حلماً سورياً» على قاعدة أنّ مَن يعتقد أنها ستعترف يوماً بالرئيس بشار الأسد هو مخطئ. صحيح أنّ تركيا عدّلت في أساليبها لكنّ الغاية ما زالت كما كانت ولا ترى دوراً للأسد في مستقبل سوريا. فكيف ولماذا؟

التقت التقارير التي رفعها ديبلوماسيون معتمدون في أنقرة وزوارها على القول إنّ الحديث عن تغييرات جذرية في الإستراتيجية التركية تجاه الأزمة السورية ليس أوانه من أيّ زاوية. وأجمَعوا على نفي وجود أيّ قرار أو توجّه يقود الى الإعتراف بشرعية الأسد وقدرته على استعادة حكم سوريا الواحدة الموحّدة ليتحدّث البعض عن «لقاء قمة» يجمع بين الرئيس رجب طيب اردوغان والأسد قبل نهاية ايلول في موسكو.

فهي برأيهم مجرد رواية لا أساس لها، فلا أنقرة طرحت الفكرة ولا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح خطوة مماثلة لا في القمة التركية – الروسية التي عقدت الشهر الماضي ولا في أيّ اتصال بين الدولتين.

ويؤكد الزوار أنّ الحديث عن تغييرات جذرية في السياسة التركية تجاه الوضع في سوريا مجرّد وهم، وقد أخطأ أصحاب النظرية في تقديراتهم. وغالب الظن أنهم بنوا اوهامهم على ما تركه الإنقلاب الفاشل من تردّدات وما رافق تلك المرحلة من سيناريوهات لم تُراعِ في أكثريتها حقائق كثيرة انتهى اليها الإنقلابيون وقدرة النظام على استيعاب ردات الفعل والقضاء عليهم في مختلف الدوائر والمجالات التركية من السياسية والإقتصادية الى القضائية وصولاً الى المجالات التربوية والرياضية.

والأرجح – يؤكد الزوار – أنّ أصحاب هذه التسريبة صدّقوا أنّ الإنقلابيين كانوا يرفضون التوجّهات التركية بوجهيها التكتي والإستراتيجي تجاه الأزمة السورية ويطالبون بنصرة النظام في حربه الدائرة منذ خمس سنوات ونصف السنة.

ولما اقتنعوا بالرواية استرسلوا في بناء السيناريوهات التي يمكن أن تجمع أردوغان بالأسد في قمة لتنسيق المواقف، وربما ذهب البعض بعيداً فتوقّع «اعتذاراً تركياً» من الأسد يُعبّر عن ندم تركي على كلّ ما قامت به أنقرة طيلة سنوات الأزمة تمهيداً للتراجع عن مواقفها السابقة، على غرار الإعتذار التركي من موسكو جراء إسقاط الطائرة الروسية فوق جبال التركمان في نهاية تشرين الثاني من العام الماضي.

وعليه – يضيف الزوار – لم يصدّق هؤلاء أنّ مهمة الإنقلابيين كانت في إغراق الإدارة التركية في الحرب السورية وتشويه دورها بشكل من الأشكال. فكان قائد سلاح الجو قائد الإنقلابيين وراء إسقاط الطائرة الروسية لفتح مواجهة جانبية مع موسكو بغية إرباك النظام والحكومة التركية السابقة على الساحة السورية، وذهبوا بعيداً في تصوير الدور التركي على أنه رأس الحربة والراعي للمجموعات الإرهابية، فيما كانوا يعيثون فساداً وإجراماً على الساحة التركية، وإحصاء عمليات التفجير التي استهدفت مناسبات إجتماعية وقوافل عسكرية في تلك الفترة خير دليل.

والى هذه المعطيات، يؤكد الزوار أنّ القيادة التركية لم تكن ممسكة بالملف السوري كما هي اليوم بعدما تجاوزت بعض الخصوصيات التي كانت تعانيها قبل الإنقلاب نتيجة بعض التوازنات الداخلية ومع فئات من المعارضة التي انضمّت الى الحكومة في مواجهة الإنقلابيين في موقف نادر سمَح لأردوغان باللعب على التناقضات الأميركية – الروسية لخرق الحدود نتيجة سلسلة الأخطاء التي ارتكبها الأكراد في دخولهم مناطق غرب الفرات ونتيجة عمليات التطهير العرقي ضد العرب في منبج والحسكة، ما برَّر عملية تركية طالما حلمت بها منذ سنوات.

وبناءً على ما تقدّم، يعترف الزوار بأنّ القيادة التركية لم تغيّر في استراتيجيتها التي تسعى الى إبعاد الأسد من السلطة وترتيب مرحلة انتقالية لا تهتزّ فيها المؤسسات الحكومية، لكنّ المشكلة أنّ الإدارة البديلة غير جاهزة، عدا عن الخلاف الروسي – الأميركي على إدارة المرحلة الإنتقالية.

وبعلم مراجع تركية أنّ روسيا تمتلك بديلاً مكوّناً من مجموعة من القادة العسكريين الذين ما زالوا موضع ثقة لدى السوريّين ولم يتورّطوا في اعمال دموية، فيما تسعى الولايات المتحدة الى قيادة سياسية ليس من السهل تركيبها.

ويأخذ عليها عدد من دول الحلف فشلها في ترتيب قيادة مماثلة لترِث صدام حسين في العراق فأغرقت البلاد في حمام دموي ولم تأتلف برعايتها سوى مجموعة من الفاسدين تتقاسم المليارات كما قالت شهادة وزير الخارجية السابق وزير المال الحالي هوشيبار زيباري أمام محكمة خاصة كانت تستمع الى إفادته بتهمة التصرّف بالمال العام.

أما القيادة التركية التي تعترف بتغيير أسلوبها في الملف السوري من دون أن تُغيّر شيئاً في رؤيتها لسوريا الجديدة، فلا ترى بديلاً من تغيير النظام وهي تصرّ على وحدة سوريا ليس لسبب سوى أنّ هذا الخطر يبرّر لها بقاءها في مواجهة مشروع الدويلة الكردية لعلمها المسبق بأنّ عودة سوريا الواحدة الموحَّدة باتت من الماضي وأنّ المستقبل لا يَشي بأيّ صورة توحي بما ستكون عليه الدولة الجديدة، خصوصاً أن ليس هناك أيّ سيناريو يمكن ترقّبه في انتظار أحداث كثيرة غير متوقعة يمكن أن ترسم صورة سوريا المستقبل.