IMLebanon

مفردات الشؤم

ثمة في “عالم الأزمات” اللبنانية المتسلسلة غرائب لا تخضع لتحديث وتتكرر عند كل مفترق خطر يجتازه لبنان، داخليا كان ام خارجيا ام مزيجا مركبا من العوامل. يشكل التبشير بالفتنة المذهبية وزعزعة الاستقرار والتهويل بالحرب الاهلية “مادة” جذب وتشويق في تعليقات صحافية محلية وعربية وخليجية بالإضافة الى ما تجود به محطات عابرة للقارات والفضاءات، فتبدأ حمى التنافس تتصاعد حول البلد الذي كان الى الامس القريب لا يحضر في السلّم الاخباري الاقليمي والدولي الا نادرا. ليس المقصود بذلك طبعا نفي اهمية الانشداد الى الحدث اللبناني الراهن الذي جادت العاصفة الخليجية علينا بفعل سياسات عظماء لبنانيين بجعله يعود الى احتلال اولويات اعلامية وصحافية وديبلوماسية. ولكن ما يغيظ فعلا في اندفاع موج النبوءات المسبقة عن الواقع اللبناني ان تستعاد مفردات مشؤومة وبشعة وباهتة تماما لأن قلة تمعن في تبدل ما كان يصلح قبل عقود وإسقاطه على واقع اليوم. ليس المراد ابدا ان ننفي عن لبنانيين قابليتهم الغرائزية للوقوع في لعنة دمرت لبنان مرات. ولكن ذلك لا يبيح ايضا ان تطلق قرائح التصورات المسبقة لإراقة آخر نقاط العافية في لبنان وتصوير جميع ابنائه مجانين. شكّل احد التقارير التي بثتها محطة فضائية شهيرة عن تداعيات الأزمة اللبنانية – الخليجية نموذجا فاقعا للاسترسال في الخفة والتحريض بفعل استعارة مفردات من أزمان غابرة وبلغ مبلغها الحديث عن الدفع التصاعدي للأزمة حتى حدود انهيار العملة المحلية، هكذا بلا اي تحفظ وبلا اي تدقيق وبلا اي قفازات. مثلها عدنا نعاين في الايام الاخيرة مفردات غربية وعربية عن “زعزعة الاستقرار” وهي العبارة التي يمكن اعتبارها الاشد تهذيبا وشؤما في آن واحد لدى استعادة معجم الازمات لانها غالبا ما تستعمل في اطار الإيحاء التخويفي من ان أحداثا جسيمة مقبلة على الطريق.

لعل الأسوأ انك تجد نفسك مساقا مرات عدة في حقبات لا تفصل بين الواحدة والأخرى منها مدة زمنية طويلة الى استعادة “الأنغام” نفسها في مفردات تظن انها طويت مع انتفاء الحاجة الى استعمالها. واذا كنا لا نملك لا الحجة القاطعة ولا المناعة الكافية ولا الثقة الحاسمة في احباط أنغام التبشير بالاهتزازات الداخلية على تنوعها واختلاف طبيعتها فان ذلك لا يعني اباحة الساحة السياسية والإعلامية لشيء قد يغدو في مستوى المؤامرة على الروح المعنوية المتبقية للبنانيين. فمن تراه ابلغنا وأبلغهم سلفا، وبهذا الجزم القاطع، ان لبنان بلد العواصف المستدامة لن يقوى على واحدة اضافية مهما اشتدت آثارها ؟ الخشية الصادقة على السلم الأهلي شيء والتخويف المقصود الزائف على الاستقرار شيء مختلف تماما. فحذار الخلط لان أسوأ الشياطين يدخلون الاعراس بأقنعة الملائكة.