IMLebanon

بعد الشمعونيّة والشهابيّة.. من هو الحزب الإصلاحي: «القوات» أم «التيار»؟

 

لا ينسى اللبنانيون الذين عايشوا عهدي الرئيسين كميل شمعون وفؤاد شهاب ما مرّ به لبنان من ازدهار وانتظام للمؤسسات وتطبيق القوانين والاحتكام إلى الدستور. واليوم وسط أجواء من الفساد ومحاولات إطلاق ورشة الإصلاح، يطرح كثيرون تساؤلات عدة: تُرى من ورث مهمة الإصلاح؟ فتتوجّه الأنظار إلى الحزبين المسيحيين الأكثر تمثيلاً في المجلس النيابي أي «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر».

 

شكّل العهد الشمعوني حقبة ازدهار مالي واقتصادي غير معتاد، وتلاه العهد الشهابي، الذي قام بمحاولات جادّة لتحديث الدولة اللبنانية، ولا بدّ من الاعتراف بأنّ العهدين برهنا عن إرادة وممارسة سياسية، هدفت إلى إحداث تغيير وفرق في الواقع السياسي اللبناني، وكانت القضية الاجتماعية وأحوال الناس في العهدين تشكّلان الهمّ الأساسي وتحديداً، الالتفات إلى حاجات المواطن من خلال جعل السياسة في خدمته. واعتقدت المدرستان بأنّ التنمية المتوازنة والنمو الاقتصادي وإعادة توزيع الثروة الوطنية والعدالة الاجتماعية، سوف تكون كافية للمباشرة بالتحديث السياسي وبلورة وعي وطني، على الرغم من الفوارق بين المدرستين.

 

لا يختلف اثنان على انّ حزبي «القوات» و«التيار» يتنافسان على الاصلاح ويعملان، بحسب ما يعلنان، على بناء دولة فعلية بمؤسساتها، فيما الفساد مستشرٍ في كافة القطاعات، من الكهرباء والاتصالات والبنية التحتية وكل ما له علاقة بالخدمات والإدارة ومصالح الناس.

 

الحزبان يتكلمان بلغة إصلاحية، وإن كانت المسؤولية على «التيار الوطني الحر» أكبر، لأنّ العهد عهده ورئاسة الجمهورية من حصّته والشعب ينتظر منه خطة إنقاذية تحترم القوانين، لا خطابات شعبوية ووعود لا تُترجم على الأرض حتى اليوم.

 

زهرا: لا نحيد عن خط النزاهة والشفافية

قال النائب السابق انطوان زهرا لـ«الجمهورية»: «نحن نعترف كقوات بأننا لم نصل إلى «الشمعونية» التي كانت عهد إنماء حقيقي وازدهار، الّا اننا نجد أنفسنا ندور في فلك «الشهابية» التي ترتكز على أسس قيام مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتطبيق الدستور والقانون. نحن نتمسّك بهذه المبادئ إلى أبعد مدى ولو لم يكن لدينا تاريخ يفرض علينا اسم «القوات اللبنانية»، بما يمثّله من تراث ودماء شهداء وكفاح وعرق ونضال، كان من الطبيعي أن يكون اسمنا «حزب الدستور». يكفي اننا حزب ثابت بمبادئه السياسيّة والوطنيّة، قد يوفّق مرات ولا يوفّق مرات أخرى، الّا انّ نهجه ثابت بالأداء البرلماني والوزاري. لا نجترح العجائب لكننا لا نحيد عن خط الشفافية والنزاهة وتطبيق القانون والاحتكام إلى الدستور».

 

وأوضح زهرا: «في المقابل نرى حزباً شعبوياً اسمه «التيار الوطني الحر» يستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لأهداف سلطوية»، مضيفاً: «فلنأخذ على سبيل المثال تسمية التكتلين النيابيين أي «الجمهورية القوية» و«لبنان القوي». نحن اخترنا اسم «الجمهورية» لأنّه ينطلق من مقدمة الدستور وتوصيف لبنان الدولة كجمهورية ديموقراطية برلمانية مرجعها الدستور والقانون. أما ما نفهمه من لبنان القوي فهو لبنان السلطة العسكرية أو السلطة الملكية أو الديكتاتورية الانقلابية، وأي شيء يخدم فكرة السلطة بغية التسلّط والتحكّم».

 

وتطرّق زهرا الى ممارسات «التيار» الذي «خاض أشرس المعارك في التعيينات، عبر اختيار موظفين للفئة الأولى محسوبين عليه ويدينون له بالولاء حتى نهاية خدمتهم». ويرى انّ عنوان المرحلة «بعدما كان الإبراء المستحيل اصبح الإفتراء في كتاب الإبراء، ثم صار اليوم «الافتراق المستحيل»، القائم على تقاسم الحصص والمغانم. وكل ما تتعرّض له التسوية الرئاسية لا يؤثّر بها، لأنها تؤمّن مصلحة الطرفين الرئيسيين فيها. فـ«تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» يخدمان استمرار بعضهما في السلطة».

 

ولفت إلى أنّ القوات تسعى إلى المشاركة في السلطة بغية بناء الدولة، فيما الآخرون يسعون إلى السلطة للتسلّط، مؤكّداً انه «من المستحيل أن يكون المتسلّط اصلاحياً»، متسائلاً: «أين مشروع الاصلاح لدى رئيس «التيار الوطني الحر»؟».

 

وقال: «لقد دخل الحياة السياسية تحت شعار الإصلاح لأنّه اتهم بالكبائر في موضوع الفساد والصفقات. اليوم تحوّل إلى توسّل المشروعية بادّعاء المحافظة على حقوق المسيحيين، في حين انه لا يتورّع عن إثارة النعرات الطائفية والمشاكل مع كل الطوائف الأخرى، حتى يكتسب مشروعية مسيحيّة مفقودة، لأنّ لا خلفية له ولا تاريخ ولا مواقف واضحة من الوجود المسيحي الحرّ الفاعل والمتفاعل مع الآخرين في لبنان».

 

وأوضح زهرا: «انّ هدف جبران باسيل إلغاء أي خط مسيحي مناهض له، وليس لديه مشكلة أن يرضي المسلمين بكل مذاهبهم عبر إعطائهم لكل مقام مقالا، فيذهب إلى أميركا ويصرّح بأن لا مشكلة لديه مع اسرائيل، ثم ينتقل إلى الجنوب فتصبح اسرائيل العدوّ والمقاومة شرفنا. يزور محمرش ويصف الرئيس نبيه بري بالبلطجي، ثم ينتقل إلى عين التينة حيث يصبح بري قيمة لا غنى عنها. يُطلق موقفاً من البقاع الغربي بأنّ السنيّة السياسيّة وصلت إلى الحكم على جثة المارونية السياسية، وعندما يعود إلى ميرنا الشالوحي ينفي ما أعلنه سابقاً!».

 

وأشار إلى «أنّ حبل الكذب قصير، وفي النهاية لا يصحّ إلّا الصحيح، ولا بدّ أن يقتنع باسيل بأنّ هذا المسار لا يؤدي إلى مكان فيريح الجوّ السياسي قليلاً».

 

أسود: نحن الحزب الوحيد الذي يقدّم إخبارات

 

من جهته، يعتبر النائب زياد اسود عضو تكتل «لبنان القوي»، انّ كل حزب وكل مرحلة وكل حقبة لها ظروفها واعتباراتها. أولاً، في أيام الشمعونية والشهابية كانت الظروف مختلفة، وكان الموارنة يحكمون البلد ويصنعون القرار، والنظام الرئاسي كان يسمح لهم بالتحكّم في كل الأمور. اليوم، لم تعد أحزابنا المسيحيّة تحكم بالمطلق، فهي شريكة في السلطة وهنا تختلف الأمور، والدستور يفرض علينا التوافق على الشاردة والواردة. ثانياً، في السابق كانوا يسعون إلى بناء دولة، أما نحن اليوم فتسلّمنا دولة مهدّمة».

 

وعن التنافس بين «التيار» و«القوات» في موضوع الإصلاح، قال لـ«الجمهورية»: «لا استطيع أن أحكم على تجربة أحد، الّا من خلال برنامج إصلاحي بمواقف متتابعة. مع احترامي لـ«القوات»، لم تطرح أي شيء جدّي غير الانتقاد، ولم تتناول أي موضوع خارج اطار التنافس المسيحي، ولا تفعل سوى البحث عن الشريك المسيحي لانتقاده».

 

واستدرك أسود، «بأنّ «القوات» تعرف انّ «التيار» لا يسرق البلد انما ورث البلد كما ورثته الكثير من الأحزاب التي لم تكن شريكة في السلطة. ومن المستغرب عندما نصل إلى هذا المستوى من الانهيار في الدولة أن لا تحكي «القوات» الّا عن «التيار». لذلك عملية الإصلاح التي تزعم انّها تخوضها غير جدّية، بمعزل اذا كان رأيها صحيحاً أو خطأ. عليها توجيه البوصلة بالموضوع الإصلاحي إلى من كان أساسياً في تهديم الدولة وسرقة مالها، وإلى ما أدّى إلى تراكم الديون».

 

أضاف: «نحن لم نستلم دولة بالمفهوم العام، انما «القوات» تنتقد حباً بالانتقاد فقط».

 

سألنا أسود عن موضوعيّة التعليقات الإيجابية والسلبية لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع على أداء وزراء «التيار»، فأجاب: «يتكلّم جعجع كأن وزراءه لم يفعلوا شيئاً أو أنهم حققوا إنجازات هائلة. هو يعرف انّ وزارة الصحة حلّ فيها الخراب والمخالفات، لم ننتقد لأنّ المشاكل ليست متعلقة بوزير الصحة الذي لم يفعل أي إنجاز، انما بسبب الهيكليّة والقوانين. ولم ننتقدهم في وزارة الشؤون الاجتماعية، لأننا نعرف انّ هناك تركيبة في البلد ليست ناجحة. وإذا لم ننتقد لا يعني انّ «القوات» منزّهة عن أي مخالفة».

 

ولفت أسود إلى «أننا لم نر أي خطوة إصلاحية من «القوات» لإنقاذ أي مرفق من مرافق وزارة الصحة بدءاً بالمستشفيات الحكومية مروراً بالأدوية وصولاً إلى التوظيفات وغيرها. لذلك ليست المسألة بالوقوف وراء الميكروفون وانتقاد فلان والتنويه بعلتان. وأين المنطق بانتقاد «التيار الوطني الحر» وتجنّب الرئيس بري مثلاً؟!».

 

وأكّد ان ليس كل «التيار» اوادم وليس كل «القوات» اوادم. لا يمكن التعميم في هذا الوضع. فليبدأ كل واحد بنفسه قبل أن يصنّف الآخرين».

 

ورأى انّ الإصلاح يكون بواسطة الدولة بمؤسساتها وقوانينها وليس عندما تكون الدولة موزّعة على طوائف وأحزاب. وختم: «لا يمكن أن نلغي أحداً، علينا أن نتوافق مع كل الأطراف حتى نفعل مشروعاً جديداً للدولة. والمعضلة الكبيرة، انّ بعض الأطراف الشريكة هي التي سرقت الدولة. ونفتخر اننا الحزب الوحيد الذي يقدّم إخبارات عن كل ملف يستلمه، وإذا تبيّن ان هناك هدراً واختلاساً من مال الدولة يصبح الفاعل فوراً في المحكمة، فأي حزب يفعل ما نفعله؟».