IMLebanon

كلام أبعد من زوايا «البيال»

عمر الخِطاب عشر سنوات. تغيّرَت الأمكنة والأزمنة، ولم يتغيّر منه حرف. الملك الكبير الذي زار يوماً «بيت الوسط» معزّياً ومصالحاً غيّبَه الموت، والذي انبرى يوماً في القمّة العربيّة يُصنّف ما بين الرجال، وأشباه الرجال، قد أصبح وحيداً، كانت لعبة البوكر الدوليّة أكبرَ منه، وأقدر. أخذَته إلى حيث لا يريد، ولا تزال، وآخر ما تكرّمَ عليه الموفد الأممي ستيفان دو ميستورا أن يكون جزءاً من التسوية. كان يملك الكلّ، بالكاد يجيدون عليه بالجزء، من دون معرفة تفاصيل التسوية، وموعدها، وعدد المساهمين فيها، وملكية الأسهم، وحَصريّة المستفيدين والوافدين.

عشرُ سنوات. ولم يتغيّر حرف من الخطاب، فيما تغيّرَ كلّ شيء من حوله: الأمكنة، الأزمنة، مرابط الخيل، الكازينو، اللاعبون بمصيره، مفتعِلو الأزمات المشبوهة لتبرير صفقات الهدر المالي والأخلاقي، واختلاسات الفجور السياسي لإشباع نهَم المحاصصات.

والآن جاء دور الحوض الرابع، وغداً أو بعده أحواض السباحة عكس التيار الدستوري. يتحدّثون عن دورة استثنائيّة ملِحّة وضروريّة لمجلس عاطل عن العمل، ومعطّل الإنتاج. وعلى رغم كلّ ذلك، يريد دورةً استثنائيّة، لماذا؟ لتسيير عمل المؤسسات في ظلّ غياب الرئيس.

ما المشكلة؟ فالبَلد ماشي بلا رئيس، ويريد المجلس فتحَ الدورة ليكرّس الخَللَ قاعدةً، وواقعاً يمكن التعايش معه، فيما إنجازه الوحيد أنه تنشّطَ ذات يوم، ونزلَ إلى الملعب ليمارس رياضتَه المفضّلة، وفي صفوفه لاعبون أشاوس، وقد تمكّنَ بقدرة قادر من أن يركلَ الدستور ركلة جزاء، فيصيبَ منه مقتلاً، ويُسدّده ممدّداً في مرمى الفراغ والنسيان، ويجدّد لنفسه عمراً إضافيّاً لتكتمل عدّة ولاية كاملة ممدّدة شاءَ مَن شاء، وأبى مَن أبى.

عشر سنوات انقضَت، وإذ بخطاب البيال يحافظ على نمطِه، فيما كانت حكومة الـ 24 رأساً تطفئ شمعتَها الأولى، إيذاناً بانقضاء عام، وتيَمُّناً بعام ثانٍ جديد في ظلّ غياب الرئيس، والدليل أنّ هناك مَن تسلّل تحت جنح الظلام، مِن وراء الكواليس المظلمة ليشيَ بأنّ الإنتاجيّة ضعيفة، ولا بدّ من إعادة النظر بالآليّة، والعمل على تطويرها وتفعيلها وفق أحكام الدستور.

هناك من عاد وتذكّرَ الدستور، وأوصى ببكائيّة جديدة فوق نعشِه، والتنحّب والتفجّع على المصير الذي آل إليه، مستذكِراً في الوقت نفسه صلاحيّة الرئيس، وكيف يفترض بهذه الحكومة أن تمارسَها وفق أحكام الدستور. فاتَ المتباكين على الدستور، الغيارى على صلاحيات الرئيس، أصحاب الصحوات الضميريّة حول إنتاجيّة حكومة الـ 24 رأساً، أنّ المشكلة أعمق، وأعظم، وأبعد.

المشكلة أعمق من دستور يؤخَذ به عندما تقتضي مصالح الفئويات، ويُهمَل جانباً عندما تقتضي المصلحة الوطنيّة العامّة الاستجارةَ به، والعملَ على احترام نصوصه وتطبيقها. والمشكلة أعظم، إنّها مشكلة إنحراف في السلوكيات الوطنيّة والميثاقيّة. تعلو نبرة انتقاد الآخر، والتشهير بعوراته، ثمّ المبادرة للجلوس معه وجهاً لوجه في حوار شعارُه تنفيس الاحتقان. كيف يمكن تحويل الباطل شرعاً؟ كيف يمكن تغطية السموات بالقبوات؟

الجواب عند منَفّسِي الاحتقان، ومَن وراءَهم. أمّا المشكلة الأبعد، فتكمنُ عند مَن خطفَ الدستور والوطن والطائف، ويحاول أن يفاوضَ على البقيّة الباقية مع ما تبقّى من شعب وأرض ودستور وميثاق. قبل عشر سنوات أو أكثر كان الانقلاب على الطائف تهمةً منسوبة لبعض المسيحيين. اليوم أصبحَت مسحوبةً على الحلفاء.

عشر سنوات مرّت، تغَيَّرَ الكثير، ولم يتغيّر الخطاب، جاءَ الرئيس سعد الحريري يستشرف بيروت من زاوية «البيال»، ويستشرف الوطن من «بيت الوسط». الكبير الذي زارَه يوماً معزّياً ومصالحاً قد غاب، والكبير الذي خلفَه ممسِكاً بمقاليد القيادة، والحكمة، والدراية، والتبَصّر، قلِق على بيروت، وعلى لبنان، وعلى الميثاق، والنظام، و»الطائف».

يرى أنّ النول الإيراني يحوك سجّادة نظام جديد للبلد، ومَن بقي فيه، كما يحوك سجّادةً ثانية للعراق، وثالثة لسوريا، ورابعة لليمن… برعاية الولايات المتحدة ومباركتها، وتحت تأثير سِحر الاتّفاق حول النووي، وأيضاً حول ما تبقّى من نيّات صافية عالقة بأهداب الملفّات السياديّة المتصلة بكثير من دوَل المنطقة. والمشكلة لا تكمن في آليّة تفعيل أداء حكومة الـ24 رأساً، إنّما في أن يعتاد الوطن على العيش بلا رأس. هذا هو الجديد الوحيد الذي حمله معه الحريري، من بلاد الطائف، وخوفاً على «الطائف».