كان يمكن للصدمة أن تأتي مِن وجود مشروع انتحاريّ يدعى إيلي طوني الوراق. كان يمكن للصدمة أن تأتي أيضاً من روايات أهالي الموقوفين في رومية الذين خالفوا الرواية الرسمية عن إتمام “عملية نظيفة” في السجن. لكنّ الصدمة الكبرى جاءت من مكان آخر: وزير الداخلية، نهاد المشنوق، يخاطب الشباب اللبناني الراغب بعقد زواج مدني بالقول: “قبرص منّا بعيدة”. قال ذلك بعد أشهر من سوء استخدام نفوذه من أجل رفض تسجيل عقود قانونية.
هذا هو إذاً المستقبل الذي يعد المسؤولون في الدولة اللبنانيين به: تزوّجوا في قبرص، إعملوا في الخارج، ثمّ تعالوا وموتوا هنا. فهذه البلاد يجهد المسؤولون لإعلانها غير قابلة للحياة. لكن، من سوء حظّ الوزير وأمثالِه، أنّ شباباً لبنانيّين، رغم كلّ ما ارتكبته التيارات السياسية الحاكمة بحقّهم، ما زالوا يعتبرون لبنان وطناً لهم، وطناً يريدون أن يعشقوا فيه، ويتزوّجوا فيه، ويُنجبوا أطفالهم فيه. شباب قد يقصدون قبرص للسياحة، أمّا أجمل قرارات حياتهم، فيرغبون أن يشهد عليها هواء بيروت وبحر بيروت.
قد لا يعني هذا الكلام الوزير نهاد المشنوق، وهو المنشغل بالإعلان عن خططه الأمنية قبل أيّام من تنفيذها. لكن لا بدّ أنّه يعرف جيداً أنّ الخطط الأمنية وحدها لا تهزم التطرّف. فلماذا يحاول الوزير معاقبة مَن اختار الدولة المدنيّة بدلاً من حُكم الطوائف؟
