و استعرضنا سريعا تاريخ لبنان الحديث، أقله منذ الاستقلال، لتبين لنا بوضوح أن الأزمات السياسية هي السمة الأبرز التي رافقت كل العهود، وليس في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب ولا إلى القلق، في بلد ذي مجتمع متنوع، يقع جغرافيا في منطقة دائمة الاشتعال.
لكن، إذا كانت الأزمات السابقة نجحت في فرملة انطلاقة رؤساء، أو وضع العثرات أمام العهود، فالثابت أن جملة من الركائز تحول دون تحقيق ذلك في المرحلة الراهنة، أبرزها:
أولا: ان رئيس الجمهورية الحالي ليس من الصنف الذي يتراجع في مواجهة التحديات، أو يتلكأ في التصدي للملمات، وهو بالتأكيد ليس من النوع الذي يتخلى عن أهدافه الوطنية الكبرى، بدليل مسيرة حياته العسكرية والسياسية، التي تعرض فيها لأخطر محاولات الاغتيال الجسدي والسياسي، ثم النفي، لكنه بقي الرقم الأصعب في المعادلة اللبنانية، على رغم تبدل اللاعبين وتحول المواقف، في الداخل وعلى مستوى الاقليم والعالم.
ثانيا: المشروع السياسي الذي يجسده شخص العماد ميشال عون، هو مشروع أيدته الشريحة الأكبر من اللبنانيين، الذين تجاوزوا حملات لامتناهية من التصفية المعنوية وتشويه السمعة، على مدى عقود، وهم بالتأكيد لن يقعوا ضحيتها اليوم.
ثالثا: الأمن في هذا العهد خط أحمر، وتجاوزه مستحيل. أما الدليل، فمعركة “فجر الجرود”، وضبط الخلايا النائمة، والتحرك السريع ضبطا لأي خلل، والأرقام المشجعة حول تراجع نسبة الجريمة في شكل غير مسبوق، على رغم أزمتي اللجوء والنزوح والحمايات السياسية لبعض السلاح المتفلت، الذي كانت من نتائجه السيئة الأخيرة أحداث قبرشمون.
رابعا: الوضع المالي، وعلى عكس الشائعات والفبركات والتأويلات، صلب جدا، وقادر على تخطي المرحلة الاقتصادية الصعبة، التي تتطلب عملا حكوميا فاعلا لاطلاق الخطوات المطلوبة للخروج منها.
خامسا وأخيرا، من وحي ذكرى أحداث السابع والتاسع من آب 2001 التي تحل هذا الأسبوع، والتي يميزها احتفال وضع الحجر الأساس للمقر العام ل”التيار الوطني الحر”. العبرة هذه السنة واضحة: عام 2001، ظننتم انكم بقمعكم وترهيبكم تقضون على الحالة المناضلة أو المتمردة، لكنكم فشلتم. رحلتم أنتم، أو ضعفتم، وبقيت هي. وصارت ساحة الاضطهاد أمام قصر عدل بيروت، ساحة تحمل اسم السابع من آب. وفي كل المرحلة التي تلت، مننتم النفس بأن الهجوم المركز على الحالة عينها لا بد أن يتعبها، فتنكسر أمامكم، لتعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء. لكن الحالة نفسها عادت وغلبتكم: بالميثاق والدستور والشراكة والتوازن والانفتاح والدعوة الدائمة إلى احترام الحقوق وتكريس الوحدة الوطنية بالفعل لا الكلام. وقد يكون تعطيلكم المستمر اليوم، لأنفسكم قبل الآخرين، بعضا من علائم ادراككم أن هزيمتكم الجديدة بالحق، باتت على الأبواب.