IMLebanon

أموال البلديات من عائدات الخلوي … ضائعة!؟

Akhbar
هديل فرفور
القانون ينصّ على جباية وزارة الاتصالات 10% من فاتورة خلوي كل مشترك لمصلحة البلدية. إلا أن هذا القانون لم يطبق منذ عشرين عاماً. يحلو لكثيرين أن يلقوا الحجة على عدم وجود الآلية الواضحة التي تحدد كيفية اقتطاع حصة البلديات، باعتبار أن هذا القانون الذي يعود تاريخه إلى ما قبل 1994 (تاريخ إنشاء الخلوي في لبنان) كان يطبق على الهواتف الثابتة، عبر آلية تحدد حصة كل بلدية بحسب عدد الاشتراكات في نطاقها، وفق مرسوم واضح، وهو ما لا يمكن تطبيقه على اشتراك الخلوي (نظراً إلى استحالة تحديد النطاق البلدي للمشترك).

«لم يُعدَّل المرسوم الذي يحدد كيفية الاقتطاع المتعلّقة بالخلوي عمداً»، يقول وزير الاتصالات السابق شربل نحاس، في إشارة إلى وجود نية متعمدة لاستمرار «الغموض» ولجعله «مبهماً». «تذرّعوا بتقصيرهم في السلطة التنفيذية ليعطلوا مفاعيل قانون قائم مسبق»، يلمّح نحاس إلى «تواطؤ مقصود». ذلك أن توضيح المرسوم، عندما طالب به أثناء توليه وزارة الاتصالات، لم يكن يتطلب آنذاك سوى تعاون بين ريّا الحسن (وزيرة المالية) وزياد بارود (وزير الداخلية والبلديات)، يضيف نحاس أن بارود أبدى رغبة في التعاون، إلا أن الحسن رفضت، ما عرقل الوصول إلى خاتمة لهذا الملف.
تعود «الحكاية» إلى عام 1994، تاريخ إقامة شبكتي الهاتف الخلوي في لبنان، عندها كان واجباً أن تقوم وزارة الاتصالات بجباية 10% من فواتير الخلوي لمصلحة البلديات. حتى اليوم، لم تحصل البلديات على مستحقاتها من دون أي تبرير. قبل عام 2010 كانت المبالغ تحوّل إلى وزارة المالية على أنها كلها إيرادات للخزينة العامّة من دون تحديد حصة البلديات منها، وبالتالي إن هذا العمل، يوضح نحاس، سواء أكان مقصوداً بدافع السرقة، أم بفعل «الجهل»، هو «عبارة عن تشويه للحسابات المالية الفعلية، أي تضخيم وهمي لإيرادات الدولة وخفض للأموال التي تستحقها البلدية».

يشرح نحاس أنه اتخذ قراراً في عام 2010 يقضي بوقف تحويل أموال من وزارة الاتصالات إلى وزارة المالية «لأن الأخيرة تقوم بسرقة البلديات»، وكون وزارة المالية غير مستعدة لأن تعترف بالخطأ السابق، فضلاً عن خطأ وزراء الاتصالات المتعاقبين بتحويل الأموال إلى الخزينة العامة، بالرغم من أنها مدينة للبلديات. ذلك أن ما يجب تحويله إليها هو الفائض عن موازنة وزارة الاتصالات. فكيف لوزارة مدينة (للبلديات) أن تستمر في إرسال الأموال إلى الخزينة قبل إيفاء الديون المستحقة عليها للبلديات؟
بالفعل، بدأت وزارة الاتصالات حينها بتجميد مبالغ (وصلت قيمتها الى 1200 مليار ليرة) في حساب لدى مصرف لبنان لتغطية مستحقات البلديات عن الفترة ما قبل عام 2010، إلا أن الحكومة رفضت حينها وضع آلية تسمح بتوزيعها على مستحقيها. نامت القضية فترة طويلة، ثم عادت إلى الواجهة اليوم، ووضعت لجنة المال والموازنة النيابية يدها عليها، وظهرت إشكاليات جديدة لم تكن مطروحة في السابق. فالخلاف الحاصل حالياً يكمن في تحديد حجم الأموال المودعة عند وزارة المالية لمصلحة البلديات، ومسؤولية الجهة التي حالت وتحول دون إعطاء البلديات مستحقاتها. وهذا الخلاف ليس عرضياً، فوزير الاتصالات السابق شربل نحاس يقول إنه احتسب حصة البلديات في عهده، وإنه جمّد سابقاً نحو ألف ومئتي مليار ليرة لهذه الغاية! إلا أن وزير المال الحالي علي حسن خليل، يقول إن المبلغ المحدد للبلديات المتراكم بحسب حسابات وزارة الاتصالات هو 673 مليار فقط، فأين ذهبت الأموال؟
عقد الوزير خليل مؤتمراً صحفياً، أمس، وقال: «منذ سنة 1994 لم توثق في أي مستند المبالغ التي خصصت للبلديات في لبنان، ولم يحول في القيود أي مبلغ بشكل تفصيلي يتحدث عن أموال مخصصة للبلديات. كان هناك تداول دائم في وسائل الإعلام، أن هناك أموالاً من عائدات الخلوي، وكان هناك تحديد لأرقام، سمعنا حيناً بأكثر من ألف ومئتي مليار، ومرة أخرى عن ألف وثمانمئة مليار، لكن في وزارة المالية لم يكن هناك أي وثيقة تقول إن هناك مبلغاً محدداً للمجالس البلدية». وأضاف: «كانت هناك تحويلات مالية تصل إلى وزارة المالية من وزارة الاتصالات من دون أي إشارة إلى أن جزءاً منها مخصص للبلديات، وبالتالي حصل تصرف بهذه الأموال من دون أن تقيد أصولاً لمصلحة هذه البلديات. واليوم، في إطار معالجة كل المرحلة المالية الماضية، هناك سؤال عن مَن هو المسؤول عن التصرف بأموال البلديات من الخلوي؟ وما هي المبالغ التي حولت؟ وما هي المبالغ التي يجب أن تحول أو كان يجب أن تحول؟ وهل هناك احتساب دقيق لهذه الواردات أم لا؟».
وأشار الوزير خليل إلى أنه منذ تسلمه الوزارة، راسل خطياً وزارة الاتصالات أكثر من مرّة، وطلب منها أن تحدد بدقة المبالغ المتراكمة للبلديات من وزارة الاتصالات، وقال: «المبلغ الوحيد الموجود في حوزتنا كحصة للبلديات من1/1/2010 حتى 31/5/2014، هو 673 مليار ليرة، في حين أن المرحلة الممتدة من 1994 وحتى 2002 لا نعرف عنها شيئاً ولا عن تحويلاتها، وأصبح لدينا وثيقة تقول إن حصة البلديات للفترة من 2003 حتى 2009 هي 685 ملياراً».
يرفض نحّاس أي حديث عن عدم وجود مستندات، لافتاً إلى أن متابعة إيرادات الدولة من حصة الـ20% من قطاع الاتصالات (الفترة التي كانت فيها الدولة شريكاً بنسبة 20% في الفترة بين 1994 و2002) كانت من مهمة وزارة الاتصالات. ويقول إن الشركتين حينها كانتا ترسلان التقارير بالأرقام المفصّلة، وكان (ولا يزال) عبد المنعم يوسف يشغل منصب مدير الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، وبالتالي يجب مساءلته عن كلامه في لجنة المال والموازنة النيابية الذي نفى فيه أن يكون على علم بالحسابات! يقول نحاس: «عندما تكون فواتير الـ20% المستحصلة من شركتي الخلوي غير موجودة، فهذا ينذر بخطب ما مرده إلى احتمال سرقة هذه الإيرادات».
يقول الوزير خليل: «نحن ملتزمون أن نوزع على البلديات حقوقها في المبالغ المتراكمة، وقد أعددنا المرسوم مع وزارة الداخلية، وسيراعي المرسوم حقوق الدولة من البدلات التي تدفعها البلديات لقاء عمليات التنظيف وجمع النفايات (سوكلين وشقيقاتها)، والتي ترتب عنها أعباء كبيرة خلال الفترة الماضية، والتي علينا لحظها في عملية التوزيع، فجزء من هذه المبالغ يجب أن تحسم خاصة على البلديات التي لها سيولة مالية كبيرة والتي تستفيد من أموال الصندوق البلدي المستقل، من دون أن تتحمل الجزء المطلوب من الأعباء».
كلام خليل في هذا الجانب لا يراه نحاس منطقياً، ذلك «أن الدولة تعاقدت مع سوكلين على حساب البلديات ودون علمها، فالصندوق البلدي المستقل هو عبارة عن «قجة» لإيرادات الدولة التي تجبيها خارج نطاق وزارة الاتصالات، فكيف لها أن تقتطع من المجلس البلدي أموالاً مستقلة لا تدري البلديات حجمها الفعلي، وهي غير مرتبطة بحصتها من قطاع الاتصالات؟