IMLebanon

فرنسا “الاوروبية”: تباينات إقتصادية أو شفير أزمة سياسية؟

Joumhouriya-Leb
بروفسور غريتا صعب
تزامن هذا الاشكال السياسي مع انتقادات لاذعة موجهة لأنجيلا ميركل واتهامها بأنها تخدم مصالح المانيا وليس مصالح اوروبا. وذهب السيد Montebourg وهو احد الوزراء الذين يديرون السياسة الاقتصادية الفرنسية الى القول إنّ «هذا التوجّه السريع في خفض العجز في دول منطقة اليورو وضع اوروبا وحسب قوله في احضان الاحزاب المتطرّفة التي تريد تدمير اوروبا»، وأضاف انّ «المانيا وقعت في فخ التقشف الذي ما برحت تدعو اليه ولا سيما انّ نموّها في الربع الأخير كان صفراً وهذا نتيجة السياسة التي فرضتها ميركل على اوروبا».

وقال السيد Hamon (وزير التعليم الفرنسي) «لا يجب أن تكون ميركل الشخص الذي يدير السياسة الاقتصادية الاوروبية- وجاء كلّ هذا تزامناً مع تحذيرات مماثلة من صندوق النقد الدولي ومن الاقتصادي Paul Krugman والذي كتب في نيويورك تايمز الاسبوع الماضي، عن انّ سيناريو الكابوس الاوروبي ليس افتراضياً واتهم سياسات التقشف المفرطة نسبياً في منطقة اليورو وارتفاع اسعار الفوائد المفروضة وأسماها « sadomonetarists». هذا، وقادة اليورو ما زالوا يستخدمون وبعناد سياساتٍ تحول دون النموّ وتمنع من انخفاض نسب البطالة.

ويأتي المشهد السياسي متوتراً ولا سيما انّ حلّ الحكومة في فرنسا جاء نتيجة عدم الرضا عن المشهد الاقتصادي داخل فرنسا، وتوجيه اصابع الاتهام الى المانيا تحديداً الى انجيلا ميركل التي لم تتوانَ أخيراً عن توجيه التوبيخ الى ايطاليا وفرنسا واتهامهما بعرقلة النموّ وكسر قواعد بروكسل، وقولها إنّ «النموّ المتعثّر هو نتيجة مباشرة لمواصلتهما سياسة عجز كبير اكثر من المسموح به وإنّ امكانية معاقبة الدول التي تنتهك هذه القواعد قليلة جداً». هذه التصريحات تزامنت مع تصريحات دراغي الشهر الماضي والذي حذر من فرض عقوبات على المخالفات.

وهذا كله هو مبرّر إحباط كبير لصانعي السياسة الاقتصادية في منطقة اليورو وفشل فرنسا وايطاليا في مواجهة عجز الـ3٪ المسموح به في بروكسل. هذا مع العلم انّ الناقدين لسياسة ميركل ووزير ماليتها schaueble wolfgang يقولون إنّ المانيا هي مصدر مشكلات العملة في المنطقة من جراء سعيها الى ميزانيات متوازنة، بينما الدول الاخرى لا تزال تسعى جاهدة الى بناء القطاعات المصرفية وتعزيز ثقة المستهلك. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تتأتى نتائج التقشف الذي كسر الحكومة الفرنسية على الاتحاد الاوروبي بالكامل؟

من الواضح انّ المخاوف التي اعرب عنها Montebourg حول الاقتصاد الفرنسي والانكماش الحاصل تجلت في خطاب دراغي في الولايات المتحدة حين اظهر مخاوفه من هذا الركود الذي يلف اوروبا، وعدم تحفيز الطلب في دول يمكنها القيام به خصوصاً انّ الوقت يمضي بسرعة على الحكومة الفرنسية وعلى منطقة اليورو وقد يداهمهما فلا يستطيعا تفادي الكارثة، لذلك قد يكون الجدول الزمني على قدر من الاهمية ووجوب العمل على تغيير اتجاه الاقتصاد لتجنّب كارثة اقتصادية ليس هذا وحسب بل كارثة سياسية على التكامل الاوروبي.

هذا في فرنسا، وقد تكون الحكومة الايطالية برئاسة ماتيو ناتاليني ورينزي تدرك ايضاً انّ نظامها السياسي يقترب من النهاية. كذلك في فنلندا وهي الحليف الأقوى لسياسة المانيا التقشفية بدأت تظهر احداث جديدة تحذّر من عواقب السياسات الاقتصادية المتبعة، وهذا كله لا يعني انّ ميركل سوف ترضخ لهذه الضغوط، لذلك فإنّ الوحدة الاوروبية قد تكون على المحك وقد تكون حوادث أوكرانيا وغيرها جاءت تنبيهاً للثمن الذي سوف تدفعه اوروبا ضعيفة غير موحدة. وقد يكون في هذا التوجّه كله انّ وزير الاقتصاد الفرنسي كان على حق حين قال إنّ اوروبا هي اكثر مناطق العالم ركوداً ولها العملة الاقوى عالمياً والمركزي الاوروبي لم يحترم ولايته.

لذلك، قد تكون اوجه الخلاف بين المانيا من جهة وفرنسا وباقي الاتحاد من جهة اخرى تتعدّى التجاذبات الى امور اعمق بكثير، وتشتمل السياسة الاقتصادية ككل، ما يفرِض مراجعة الامور بشكل جذري ان من ناحية السياسة الاقتصادية للاتحاد او من ناحية وجود الاتحاد ككل.

وهذه التجاذبات تشتمل ولكن لا تقتصر على الامور التالية:

– سياسة تقشف اكثر ما برهنت انها غير فاعلة.

– سياسة مالية تتفاوت قوتها من حيث مفعولها على المصارف والأسر.

– سياسة مساندة المصارف المتعثرة والتي لألمانيا نظرة دقيقة تجاهها.

– عملة قوية تسندها المانيا بينما يتفاوت الرأي حول مفاعيلهاعلى الاقتصاد.

– الانفاق الرشيد لمواجهة العجز المستهدف الذي تؤيّده المانيا وبصراحة، بينما باقي الدول وعلى رأسها ايطاليا تسعى الى مهلة اضافية لتحقيق هذا الهدف.

كل هذه الخلافات تتأجّج والصورة الاقتصادية قاتمة مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في فرنسا وغيرها من دول الاتحاد واقتصاد راكد، وتحدّيات اقلها العجز في الميزانية والضرائب التي لا تساعد على تحفيز النموّ، ونقص في إصلاحات قد تساعد على تسهيل اعمال الشركات وتباطؤ اقتصادي وتراجع مباشر في نسب التضخم.

وقد لا يقتصر هذا التجاذب السياسي على فرنسا وربما يمتد الى دول اخرى ولا سيما انّ اليمين المتطرّف اظهر في الانتخابات البرلمانية الاوروبية الأخيرة انّ له صوتاً يعبر عنه ومنهم من دعا أخيراً الى انتخابات برلمانية جديدة ومن بينهم Marine le Pen.

وللذين يتساءلون عن دور المركزي الأوروبي في هذه المحنة الاقتصادية البحتة وجب القول إن ماريو دراغي دعا اخيراً في خطاب للحكومات الى استخدام الحوافز الضريبية من اجل انعاش الاقتصاد في منطقة اليورو.

وأوضح خلال مؤتمر مصرفي في وايومينغ انّ «التقشف المالي بهدف السيطرة على الديون قد لا يكون مفيداً وانه قد يكون من المفيد مجاوزة السياسة الضريبية مع السياسة النقدية للحصول على نتائج اضمن مما يظهر. وحسب بعض الاقتصاديين فإنّ الانتعاش قد لا يأتي.

والخلاف في فرنسا هو جزء من النقاش بين زعماء اوروبا حول ما اذا كان التقشف المالي بهدف السيطرة على الديون سياسة صحيحة أم لا، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ركود مزمن.

وقد يكون حديث دراغي مشجعاً، إنما هنالك بعض الحقائق التي لا يمكن تجاهلها ولا سيما انّ دول منطقة اليورو قد لا تباشر في الوقت القريب بتحقيق أيّ حافز عبر الانفاق الحكومي، كذلك فإنّ السياسة النقدية تواجه قيوداً هيكلية تمنعها من تحقيق ما درسناه عنها والفوائد 0% تبقى حاجزاً والتيسير الكمي عملية غير مستحبة بالمطلق. ويبقى انّ دراغي سعى الى خفض سعر العملة وهي عملية ذات قوّة نسبية، كما انّ حجم ونطاق عمليات شراء السندات في منطقة اليورو يتأثر والى حد بعيد بالقيود المفروضة عليها.

وفي المطلق انتصار دراغي قد يكون في نهاية المطاف من خلال ضعف اليورو كونه يساعد، إلّا انه غير كاف لتخليص اوروبا من خطر الانكماش.
هذا الواقع وهو صورة اقتصادية بحتة تردّداتها سياسية تؤثر في الحكومات والوزراء وصنّاع السياسات، ان لم تكن في المطلق سياسات اقتصادية حكيمة مدروسة سوف تطيح بالحكومات وصنّاعها.