IMLebanon

مشاكل «جلاكسو» مع الكسب غير المشروع لن تنتهي قريبا

FinancialTimes
أندرو وارد وباتي فالدماير وكارولين بنهام

بذلت جلاكسو سميث كلاين ما بوسعها لتصوير الغرامة البالغة 490 مليون دولار، المفروضة عليها من قِبل محكمة صينية على أنها نهاية فضحية رشا ألقت بسحابة سوداء على الشركة لأكثر من عام، لكن تداعيات الملحمة من المرجح أن يتم الشعور بها لفترة طويلة.

بالنسبة لجلاكسو سميث كلاين، الحُكم بالإدانة ضدها وضد خمسة من كبار تنفيذييها في الصين قد يكون مجرد بداية العقاب. وزارة العدل الأمريكية و”مكتب جرائم التحايل الخطيرة” البريطاني كلاهما يجري تحقيقا في سلوك شركة صناعة الأدوية، باستخدام سلطاتهما لملاحقة مخالفات الشركات متعددة الجنسيات أينما ارتكبتها في العالم.

بالنسبة للشركات الأجنبية في الصين، الرقم القياسي للغرامات يُرسل تحذيراً بأنها ليست بمنأى عن حملة مكافحة الفساد التي يشنها الرئيس تشي جينبينج في أنحاء المجتمع كافة.

قال ماك يوين تين، خبير حوكمة الشركات في جامعة سنغافورة الوطنية، مشيراً إلى غرامات بمليارات الدولارت تفرضها وزارة العدل الأمريكية في حالات مماثلة: “إنها متساهلة بحسب معايير الولايات المتحدة. لكن في سياق المعايير الصينية، تعتبر ضخمة”.

ومن خلال منح أحكام بوقف التنفيذ بدلاً من أحكام بالسجن ضد مارك رايلي، الرئيس السابق لجلاكسو في الصين، وأربعة من كبار مساعديه، كانت المحكمة في مقاطعة هونان “تُحمّل المسؤولية للشركة أكثر مما هي للأفراد”، كما قال البروفيسور ماك.

ولاحظ بعض المعلقين أن جلاكسو نجت من عقوبات مشددة أكثر مما توقعوا بسبب رشوتها الأطباء لوصف أدويتها. ويبدو أن المستثمرين الذين رفعوا سعر السهم نحو 1 في المائة بعد الكشف عن الغرامة، يشتركون في هذا الرأي.

وقال دان رولز، خبير مكافحة الفساد في شركة المحاماة سكوير ساندرز في شنغهاي: “كنت أتوقع أن تكون أسوأ من ذلك. إن كون جلاكسو سميث كلاين تعاونت مع السلطات كان لا بد أن يحدث أثراً”.

وأنكر مقربون من القضية أن الأمر انتهى إلى تسوية عن طريق التفاوض. لكن بينج شاووين، وهو محلل أدوية صيني، رجح أن جلاكسو قدمت التزامات بالاستثمار في مجال الأبحاث والتطوير وتسعير الأدوية لتجنّب عقوبة أكثر تشدداً بكثير.

وأشار إلى بيان جلاكسو يوم الجمعة بتعهدها بأن تصبح “أنموذجاً للإصلاح في صناعة الرعاية الصحية في الصين” من خلال “دعم التنمية العلمية الصينية” وزيادة الوصول إلى منتجاتها “من خلال مرونة التسعير”.

الشركات المنافسة ستراقب بقلق لترى ما إذا كان سيتم تطبيق مزيد من الإجراءات في قطاع لطالما كانت فيه الإغراءات لوصف الأدوية مصدراً مهماً لدخل الأطباء الصينين ذوي الأجور الضعيفة. وحتى من دون فرض المزيد من العقوبات، يقول بينج إنه لا يمكن العودة إلى الطرق القديمة: “إنها حالة تاريخية جداً بالنسبة لصناعة الأدوية الصينية. إنها تعني أن الامتثال الصارم سيصبح الروتين ولا بد من إلغاء الأساليب السابقة لتسويق وبيع الأدوية”.

ويرى محللو الصناعة أن المزيد من التحقيقات من المرجح أكثر أن تكون بين الشركات المحلية لدحض الانتقادات بأنه يتم استهداف الشركات الأجنبية بشكل غير عادل.

وبحسب رولز، سيكون من الخطأ الخلط بين قضية رشا جلاكسو سميث كلاين وقضايا مكافحة الاحتكار المتعلقة بمايكروسوفت وفولكسفاجن وغيرهما. لكن دراسة حديثة أجرتها غرفة التجارة الأمريكية وجدت أن 60 في المائة من المستجيبين قالوا إنهم شعروا بأن الشركات الأجنبية تلقى ترحيباً أقل مما كان في الماضي.

وقال كينيث جاريت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي: “إن نتيجة قضية جلاكسو سميث كلاين ستعمل فقط على تعزيز هذا الانتباه المتجدد للامتثال مع القوانين واللوائح المحلية”.

وقارن رجال أعمال أجانب الحُكم بوقف التنفيذ لرايلي مع الحُكم بالسجن عامين ونصف عام الذي صدر الشهر الماضي بحق بيتر هامفري، وهو محقق خاص كان قد حصل على معلومات غير قانونية لمصلحة جلاكسو. وقالوا إن التساهل الكبير عكس قرار رايلي بالعودة طوعاً إلى الصين للتعاون مع التحقيق.

أما بالنسبة لمساهمي جلاكسو سميث كلاين فقد كان هناك ارتياح لكون الشركة تجنّبت غرامة أكبر أو قيام المستشفيات بوضعها على القائمة السوداء. لكن محللين حذّروا من أن الشركة واجهت صراعاً لإعادة بناء سمعتها في الصين بعد انخفاض في المبيعات خلال التحقيق. وتشكّل الصين 2 في المائة فقط من الإيرادات العالمية للشركة، لذلك فإن تأثيرها على الأداء على المدى القريب محدود، لكن الأسواق الناشئة تقع في قلب استراتيجية نمو جلاكسو التي استثمرت بشكل كبير في مؤسسات التصنيع والأبحاث في الصين.

وتزامنت الفضيحة مع تراجع في الأعمال الأساسية للأدوية التنفسية لدى جلاكسو، بلغ ذروته في تحذير بشأن الأرباح في تموز (يوليو) الماضي. كل هذا يضع ضغطا على السير أندرو ويتي، الرئيس التنفيذي، الذي تضررت صورته التي حاول فرضها باعتباره بطل الإصلاح الأخلاقي في صناعة الأدوية.

تولى السير أندرو (50 عاماً) رئاسة جلاكسو في 2008، في أعقاب فضيحة حول نشاطات غير سليمة في التسويق في الولايات المتحدة، أدت إلى أن تفرض وزارة العدل الأمريكية على الشركة غرامة غير مسبوقة مقدارها ثلاثة مليارات دولار، لكن حكاية الصين، إلى جانب ادعاءات بالفساد على نطاق أضيق في الشرق الأوسط وبولندا، أثارت أسئلة جديدة حول المعايير الأخلاقية والالتزام.

وفي الوقت الحاضر ينظر “مكتب جرائم التحايل الخطيرة” في بريطانيا في جميع هذه القضايا. وقد سافر ديفيد جرين، مدير المكتب، إلى الصين في السنة الماضية، من أجل تعزيز عملية تبادل المعلومات بين البلدان، وفقاً لأشخاص مطلعين على الموضوع. ويقول هؤلاء إن المكتب يركز حالياً على ما إذا كانت جلاكسو قد خرقت قانون الرشا في بريطانيا من خلال عدم وجود ضوابط قوية بما فيه الكفاية ضد الفساد في البلدان الأجنبية.

وفي حين أن المكتب يتمتع بصلاحيات لفرض غرامات، إلا أن محللين في بانمور جوردون قالوا إن “أكثر الإجراءات من الناحية العقابية” ستأتي على الأرجح من الولايات المتحدة.