IMLebanon

الإقتصاد اللبناني لا يخلق الثروات

LebanEconGraph

بروفسور جاسم عجاقة

تدّل الأرقام الرسمية الصادرة عن الدولة اللبنانية كذلك عن المؤسسات العالمية، أنّ النموّ الاقتصادي اللبناني هو بحدود الـ 1.5%. معبِّراً بذلك عن قدرة صمود الاقتصاد. إلا أنّ التحاليل تُظهر أنّ الاقتصاد اللبناني وعلى رغم هذا النموّ، لم يَعُدْ يخلق الثروات إذا جاز التعبير.
كم كان حلم المواطن العربي خصوصاً اللبناني بالربيع العربي كبيراً. حلمٌ بإستقرار سياسي وأمني يعود بمنافعه الاقتصادية والإجتماعية على البلدان العربية. إلا أنّ الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، وتحوّلت هذه الثورات إلى كابوس على الشعوب العربية حتى تلك التي لم تشهد ثورات. وأصبح الاقتصاد يتلقى أكبر ضرباته التي تمثلت بمشكلة دورية ومشكلة هيكلية.

وفي لبنان، كان للأزمة السورية أبعاد تخطت المتوقَع بأشواط كثيرة حيث تمّ ضرب الهيكلية الاقتصادية بشكل كبير بحيث أصبحت القرارات بتغييرها أساسيةً للإستمرار. ويبقى السؤال الأساسي على هذا الصعيد: ماذا يعني وجود نموّ بنسبة 1.5% كما توقع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟ الكلّ يردّ أنّ هذا النموّ هو دلالة على صمود الاقتصاد اللبناني ومناعته ضدّ الهزات السيسمية التي تضرب ماكينة الاقتصاد اللبنانية.

نموّ إقتصادي غير طبيعي

في نظرة إلى الوضع الحالي وتطوّره منذ العام 2005، نرى أنّ قطاع العقارات وتحويلات المغتربين والقطاع المصرفي والقطاع التجاري أمّنت للبنان نمواً قارب الـ 8% في الأعوام 2007 إلى 2010. ويُلاحَظ من الأرقام الرسمية أنّ الإستثمار الأجنبي المباشَر قلّ في العام 2013 بنسبة 23% ومن المتوقع أن يبقى على المعدل نفسه هذا العام.

أما ميزان المدفوعات فهو في وضع سلبي منذ العام 2011 وحتى لو كان يقل. وبالنظر إلى العجز في الميزان التجاري، نرى أنّ الأرقام لا تُشجّع حيث إن اللبناني يستورد بقيمة 13 مليار دولار أكثر مما يُصَدّر.

وهذا الأمر يُظهر الخلل الواضح في الماكينة الاقتصادية اللبنانية والتي أصبحت ماكينة ريعية تعتمد على تحاويل المغتربين اللبنانيين والتي تصل إلى حدود الـ 7 مليارات دولار سنوياً على رغم الوضع الاقتصادي العالمي والذي يعيش حال ركود كبيرة.

ولفهم عمل الماكينة الاقتصادية اللبنانية، يجب تسليط الضوء على أنّ الإستثمارات الأساسية هي إستثمارات أجنبية أو من لبنانيين مغتربين. واليد العاملة التي تُشغل هذه الإستثمارات هي بمعظمها يد عاملة أجنبية.

كما أن اللبناني يستورد 90% مما يستهلك يُموله بشكل أساسي من تحاويل المغتربين اللبنانيين، أضف إلى ذلك أن السياحة والخدمات تأثرت بشكل كبير من الأحداث الأمنية الناتجة عن الأزمة السورية. كل هذا يوصلنا إلى الإستنتاج أن أرباح الإستثمارات تخرج من لبنان ولا تُستثمر في الاقتصاد اللبناني والدليل هو تراجع الإستثمارات.

أيضاً فإن الأموال التي يجنيها العمال تذهب بمعظمها إلى الخارج بحكم أن العمال بمعظمهم أجانب، كما أن الأساس من العمالة اللبنانية تعمل لدى الحكومة التي لا تملك ماكينة إنتاجية وبالتالي تُمول الأجور من الإستيدان من المصارف اللبنانية. هذه الأخيرة إستطاعت الصمود في وجه الأزمات وما تزال تستقطب الودائع من المقيمين والمغتربين والأجانب.

وبالنظر إلى النموّ الحاصل وتركيبته، نرى أنّ الإستهلاك الذي يعتمد بشكل أساسي على تحاويل المغتربين هو المحرّك الأساسي لهذا النموّ يليه القطاع العقاري والذي يُموَّل قسم منه من تحاويل المغتربين والقسم الأخر من المصارف اللبنانية.

هذا النموّ يتعرض حالياً لنكسات بسبب الحملة التي تهدف إلى تدعيم السلامة الغذائية والتي بدون أدنى شك ستضرب أكثر الماكينة الاقتصادية اللبنانية لأنّ المُستهلك سيعمد إلى إستبدال البضائع اللبنانية الفاسدة ببضائع مُصنّعة في الخارج. بالطبع لا يجب فهم هذا القول على أننا لا نؤيد حملة الوزارات الحالية ولكن يجب العمل على طريقة المعالجة لهذه المشكلة عبر تفادي التشهير بالشركات اللبنانية خصوصاً تلك التي توظف عمالاً لبنانيين.

إقتصاد زائل

مما تقدّم نرى أنّ الثروات التي تخلقها الماكينة الاقتصادية اللبنانية هي قليلة جداً وذلك بغياب قطاعات أساسية كالصناعة خصوصاً التحويلية منها، والزراعة والصناعة الزراعية التي تترافق معها، والصناعة الرقمية، والخدمات التكنولوجية.

وهذا الأمر يظهر في أنّ النموّ لا تُساهم فيه إلا التجارة (شراء البضائع وبيعها مع العلم أنّ معظمها مستورَد) والقطاع العقاري الذي سيصل في لحظة معينة إلى الـ Saturation نتيجة قلة الأراضي الصالحة للبناء، والقطاع المصرفي والذي بدون زيادة محفظة قروضه الإستثمارية للقطاع الخاص سيتلقى عواقب تعرضه للدين العام.

هل يُمكن الإستمرار على هذا النحو مع فساد وهدر يستنزف خزينة الدولة؟ هل يُعقل أن تكون الماكينة الاقتصادية اللبنانية تُنتج 9 دولارات أميركية لكل دولار من النفط في حين إنّ هذا الرقم في فرنسا يفوق الاربعين؟ كلّ هذه الأسئلة وغيرها هي في رسم المسؤولين الذين يتحمّلون مسؤولية الوضع الحالي من ناحية عدم قيامهم بإصلاحات جذرية تطال:

أولاً: زيادة القدرة الإنتاجية في القطاع العام من ناحية أنّ الدولة هي رب العمل الأول للبنانيين مع أكثر من 270 الف عامل؛

ثانياً: لجم الفساد والهدر والمخالفات في المرافئ العامة، والتخمينات العقارية، والضمان، والأملاك البحرية…؛

ثالثاً: وضع كوتا للعمالة الأجنبية لا تتخطى الـ 10% من كتلة الأجور؛

رابعاً: دعم القروض الإستثمارية للشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم؛

خامساً: إقرار سلسلة مشاريع قوانين وعلى رأسها الشائكة بين القطاع العام والخاص؛

سادساً: حلّ مشكلة الكهرباء عبر تحرير هذا القطاع ووقف الدعم له ومحاسبة كلّ فاسد يكشفه التفتيش؛

سابعاً: إيلاء قطاع النفط الاهتمام الكافي لكي نأمل بإستخراج الغاز في فترة لا تزيد عن العشر سنوات؛

من هذا المُنطلق فإنّ فصل الاقتصاد عن السياسة وعن الطائفية والمذهبية هو شرط أساسي للقيام بنهضة إقتصادية وإجتماعية في لبنان أو إعتماد اللامركزية الإدارية لكي تُدير كل منطقة شؤونها الاقتصادية تحت طائلة الفناء.