IMLebanon

عالم الاقتصاد ما بعد الفين توفلر

AlvinToffler
عماد غنيم

فى كتابه الذى نشره عام‮ ‬1970‮ ‬تحت عنوان‮ «‬صدمة المستقبل‮» ‬تنبأ الصحفى والمفكر الأمريكى الفين توفلر بالاحوال الجديدة للانسان وللسياسة والاقتصاد بعد بزوغ‮ ‬الثورة الرقمية التى كانت فى بواكيرها،‮ ‬توفلر الذى اعتبرته صحيفة‮ «‬الفاينانشيال تايمز‮» ‬البريطانية اشهر عالم فى دراسات المستقبل فى التاريخ تحدث كثيرا عن شكل الحياة على الارض وشكل العلاقات بين الامم والناس بعد ظهور الكمبيوتر،‮ ‬ورغم ان كتاباته ركزت على انعكاسات الثورة الرقمية على العلاقات الدولية واسلحة الدمار الشامل فإن تنبؤات توفلر الانسانية تطرقت الى تغير شكل الوظائف وعلاقة الموظفين بشركاتهم فى القرن الحادى والعشرين وتوقع ان‮ ‬يختار الموظفون مواعيد عملهم وان‮ ‬يمارس البعض منهم العمل من منازلهم‮.‬

اهمية تنبؤات توفلر انها ظهرت قبل عقدين من الزمان على ظهور الانترنت للاغراض المدنية وقبل ان تتطور ثورة الاتصالات والمعلومات على النحو الذى نراه كل‮ ‬يوم الان‮. ‬ووقت صدور كتابه اعتبر الناس انهم بصدد فانتازيا ربما تحمل كثيرا من المبالغة التى‮ ‬يصعب تحقيقها،‮ ‬اما اليوم وبعد اقل من نصف قرن فإن الواقع ذهب أبعد من خيالات توفلر واصبح اداء الاعمال‮»‬On Line‮«‬‭ ‬‮‬ أمرا لا مفر منه لكل الانشطة الاقتصادية مهما بلغت دقتها وتعقدها،‮ ‬واصبح تعطل الانترنت لدقائق‮ ‬يمثل خسارة مالية باهظة‮ ‬يصعب تحملها للبنوك والمصانع وكل الشركات الخدمية والانتاجية،‮ ‬فكل شىء الان‮ ‬يجرى إنتاجه‮ ‬يتم جانب منه عبر الانترنت‮.‬
توفلر تنبأ بأن الموظفين سيعملون من منازلهم ولكن لحساب شركاتهم او مؤسساتهم ولكنه عجز عن التنبؤ بسوق جديد للموظفين تحت الطلب‮ ‬يتشكل بقوة الآن محوره الشبكة العنكبوتية حيث‮ ‬يتم كل شىء ‮ ‬‭.«‬On Line‭»‬

اليوم الملايين من الموظفين‮ ‬يؤدون اعمالهم عبر الانترنت لحساب مؤسسات ربما لم‮ ‬يروها من قبل،‮ ‬وهم‮ ‬يتعاملون مع رؤساء ومشرفين لم‮ ‬يلتقوا بهم وجها لوجه‮ ‬يتلقون التعليمات وينفذون ما‮ ‬يطلب منهم ويرسلونه الى المديرين،‮ ‬ثم‮ ‬يتلقون المقابل المادى لما بذلوه من جهد فى عمليات متشابكة ومتتالية كلها تتم‮».‬On Line‭»

سوق الوظائف على الانترنت بدأ قبل عدة سنوات بأنشطة تتعلق بتكنولجيا المعلومات،‮ ‬ثم ما لبث ان اتسع وتمدد ليشمل انشطة مهنية وتجارية كالتصاميم الهندسية والاستشارات الطبية والقانونية واعمال المحاسبة وحسابات التكاليف اضافة الى انشطة التسويق والترويج للسلع والخدمات بأنواعها،‮ ‬حيث تقوم الشركات بتوظيف مؤدى الأعمال عبر النت وتكليفهم بالاعمال المطلوبة،‮ ‬التى‮ ‬غالبا ما تؤدى على الانترنت،‮ ‬ثم‮ ‬يتم تقدير اتعابهم وتحويل اتعابهم المالية‮ »‬On Line‮«‬‭ ‬ .

الولايات المتحدة واوروبا هى الاكثر استفادة من الظاهرة اضافة الى الصين ودول جنوب شرق اسيا،‮ ‬اما دول الخليج فهى الاكثر استفادة من تسهيلات الانترنت فى الاعمال بالمنطقة العربية،‮ ‬واليوم فإن كثيرا من الشركات الخليجية صغيرة ومتوسطة الحجم تفضل توظيف العمالة‮»‬On Line‮«‬‭ ‬ للعمل من منازلهم فى بلادهم بدلا من تحمل تكاليف جلبهم للعمل والاقامة فى موطن الشركة،‮ ‬وتوفير اماكن للاقامة وتذاكر سفر ومرتبات ضخمة حيث‮ ‬يتم الاستعاضة عن حضورهم‮ «‬المادى‮» ‬بأن‮ ‬يتم تكليفهم بالعمل‮ (‬رسم هندسى أو مراجعة ميزانية او التسويق لسلعة او‮ ‬غيره‮) ‬ثم استقبال اعمالهم عبر الانترنت ومحاسبتهم بعد ذلك على ما قاموا به من اعمال‮.‬

الوظائف‮» ‬On Line‮«‬‭ ‬لها مزايا عديدة بالنسبة للموظفين ايضا،‮ ‬ويكفى انهم‮ ‬يؤدون اعماله من منازلهم مما‮ ‬يخفف عنهم اعباء الانتقالات،‮ ‬وتحديد اوقات العمل التى‮ ‬يفضلونها‮ «‬كما تنبأ توفلر‮» ‬وبالتالى امكانية زيادة دخلهم من المهن التى‮ ‬يتقنونها للعمل لدى اكثر من شركة سواء داخل الحدود او خارجها،‮ ‬ولأن الظاهرة تتسع ويزداد الاقبال عليها فإن فرص العمل المتاحة تزداد فى معظم المجالات‮. ‬ومع ذلك فإن الظاهرة،‮ ‬مثل أى ظاهرة جديدة،‮ ‬لا تخلو من مخاطر خاصة فيما‮ ‬يتعلق بضمان الحقوق،‮ ‬ورغم العائد المجزى والظروف المريحة التى‮ ‬يعمل بها الموظف فإن عدم ارتباطه بعقود عمل محددة‮ ‬يحرمه من مزايا الضمان الاجتماعى والحصول على معاش عند تقدمه فى السن أسوة بزميله الذى‮ ‬يعمل بطريقة تقليدية،‮ ‬على نحو ما لاحظه الخبراء وتراه على صفحات هذا العدد،‮ ‬كذلك فإن‮ ‬غياب التعاقدات الرسمية‮ ‬يحرم الخزانة العامة من تقاضى الضرائب المستحقة على النشاط وهى خسارة تقع على مالية الدولة،‮ ‬غير ان كل هذه المخاطر‮ ‬يمكن معالجتها بتطوير شبكة القوانين التى تنظم عمل الموظفين بادخال هذا النشاط الجديد ضمن شبكتها وسن التشريعات التى تحمى حقوق هذا الموظف‮ «‬الافتراضى‮» ‬وتحدد له واجباته اسوة بالموظف التقليدى‮.. ‬وفى كل الاحوال فالوظائف ‮»‬On Line‮«‬ رئة جديدة لامتصاص البطالة وتوفير فرص عمل خارج الحدود وهى فى نفس الوقت مجال رحب لخفض نفقات الشركات‮.‬