IMLebanon

مشكلات أوروبا الإقتصادية لن يَحُلَّها التيسير الكمِّي

EuroMoney
غريتا صعب
في خطوة انتظرتها الاسواق المالية والمصارف المركزية وصنّاع القرار، دعا اخيرا ماريو دراغي حاكم البنك المركزي الاوروبي الى بدء عملية التيسير الكمّي على النحو الذي اتبعته اميركا منذ الأزمة المالية في العام ٢٠٠٨ ، بالرغم من معارضة المانيا، وهي اكبر اقتصاد في اوروبا. وحسب رئيس الـ «Bundesbank» (المركزي الالماني) فان عملية الحوافز لدى الحكومات في اجراء اصلاحات هيكلية تساعدها على الخروج من أزمات ديونها وتعثّر مصارفها وتساهم في اعادة ضخ الحياة الى العملية الاقتصادية في اوروبا.
لم يقتصر التوتر في شأن هذة القضية على المانيا فقط. اذ أعرب وزير المالية الايرلاندي «Michael Noonan» عن تشاؤمه قائلا ان عملية شراء السندات الحكومية لن تكون مجدية.

وفي المطلق فإن رأي الاكاديميين على ما يبدو ليس بعيدا من تصاريح المركزي الالماني او الايرلندي كون البنك المركزي الاوروبي لايمتلك عصا سحرية لتغيير الوضع في اوروبا ولا يحل مصائب اوروبا الاقتصادية. كذلك وبالمنطق الاقتصادي الصحيح لا يمكن للساسة الاوروبيين الاعتماد فقط على السياسة النققدية وحدها لئلا يصبح مشروع اليورو واستمراريته ذات صعوبة بالغة.

هذه التصاريح والتحليلات دعمها لاري سمرز وزير الخزانة الاميركي السابق رغم انه شجع عملية التيسير الكمي هذه، لكنه اضاف انه لا يجب خلط الضرورة مع الاكتفاء الذاتي.

لكن وفي المطلق عملية التيسير الكمي، وحسبما صرّح دراغي قد تكون غير كافية لا من الناحية سياسة الإنعاش الإقتصادي ولا من ناحية حجم الكمية المفترض ضخها في الاقتصاد، اذ أن ١،٣ تريليون تبقى غير كافية في مجموعة دول كذلك يقول الخبراء ان هذه النسخة الاوروبية قد تكون اقل فعالية من طريقة طبع المال في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، سيما انها جاءت متأخرة وبعدما تفاقمت الامور بشكل اصبح معه اي عمل يتطلب مجهودا اكبر، واي تيسير كمي قد لا يكون كافيا لانعاش الاقتصاد ومنعه من الانكماش والركود.

وحسب «Axel Weser» رئيس «UBS» والرئيس السابق للمركزي الالماني الذي تحدث على هامش اجتماعات دافوس قائلاً أن النمو قد يكون عملية طويلة الأمد، وقد لا تحدث في أي وقت قريب. كذلك هدف التضخم الـ 2% قد يكون بعيد المنال في الوقت الراهن.

لذلك قد تكون خطوة دراغي والمركزي الاوروبي اليوم جاءت لشراء الوقت للحكومات الاوروبية وحثها على المضي قدما في الاصلاحات لا سيما وانه وبدون اصلاحات في فرنسا وايطاليا، والحوافز الضريبية من الحكومات قد لا يستطيع التيسير الكمي احداث اي تحوّل يذكر في الاقتصاد الاوروبي.

لذلك يمكن القول ان البنك المركزي الاوروبي، وفي خضم هذه التباينات في الاداء، وتراجع التوقعات قد يكون يواجه اختبارا حاسماً لمكافحة الانكماش وانعاش الاقتصاد، هذا مع العلم ان القضية الاساس تبقى مسألة كيفية تصميم البرنامج واذا ما كانت العملية كافية وذات مصداقية، وكون المعارضة الالمانية لا تزال على حالها.

المؤشرات الاقتصادية لم تتحسن بالمطلق بل على العكس جاءت مخالفة لتوقعات العديد من الاقتصادين ودفعت اوروبا مجددا نحو الركود والانكماش. كذلك شرعية هذه العملية والى اي مدى تستطيع المانيا ان تحد من نطاقها.

وقد تكون المشكلة الاساس تعود الى قول دراغي الشهير والذي اصبح ملزماً «Whatever it takes» ، كذلك كون المركزي الاوروبي اظهر مرارا و تكرارا نمطا مؤسسيا ضعيفا في وقت اكثر ما تحتاجه اوروبا ومشاكلها الكثيرة قواعد جديدة للسياسات المالية اكثر استباقية.

وليس من المستبعد قيام معاهدة جديدة وسط تراجع شعبية الاتحاد الاوروبي مع مواطنيه. وقد تكون اوروبا واهمالها وسياسة دراغي المتمددة دفعت ثمن هذا الوضع الاقتصادي المتراجع والسياسي الهش والقانوني المتفاوت بين دولها.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يمكن لاوروبا انتظار سنة ٢٠١٦ لترى مدى فعالية عملية التيسير الكمي هذه، واذا لم تنجح هذه العملية ما وضع اوروبا واقتصادها ووحدتها وما هو مستقبل اليورو الذي تراجع، وفي فترة وجيزة، بنسبة كبيرة تجاه الدولار الاميركي؟ قد يكون اليورو متجها نحو تراجع مستمر مما يعني انه لن يعود العملة الرئيسية في سلة عملات صندوق النقد الدولي.

وقد أدّت التكهنات الخاطئة الى تراجع العملة الاوروبية الى ادنى انخفاض لها خلال ١١ عاما. ومع انخفاض اسعار النفط تحول معدل التضخم في منطقة اليورو تحت الصفر وللمرة الاولى منذ اكثر من خمس سنوات رغم ان ذلك قد يعطي دفعا للاقتصاد.

وقد يكون ما فعله المركزي السويسري اضاف سيلاً من علامات الاستفهام حول مستقبل الاقتصاد الاوروبي. وفي خضم كل هذه التباينات لا بد من القول ان التيسير الكمي هو الحافز النقدي الاخير في منطقة اليورو والوحيد الكفيل في حال نجحت تجربته في انعاش هذه المنطقة من الركود.

ويرسم الاقتصاديون سيناريو ما سيحصل على الشكل التالي:

1- زيادة سعر الاصول : وهو شيء طبيعي عندما يلتزم البنك المركزي شراء كمية كبيرة من الاصول مما يعني زيادة الطلب عليها وبالتالي رفع سعرها.

2- اضعاف العملة: هذا جانب اخر من آثار التيسير الكمي على قيمة اصدار عملة البلاد، وانخفاض سعر الصرف يرفع من الصادرات ويخفف من العجز في الميزان التجاري.

3- المزيد من القروض: نظرية التيسير الكمي تعني تشجيع المصارف على اقراض مزيد من الاموال علماً ان هذة النظرية مشكك بها، لا سيما بعد الدراسة التي اجراها بنك انكلترا والذي لم يجد اي دليل على ان التيسير الكمي يعمل عبر قناة قروض المصارف التقليدية. وهنا وجب القول انه اذا لم ينجح التيسير الكمي التي بدأته اوروبا في تنشيط هذا العامل لن تستطيع اوروبا تحريك العجلة الاقتصادية من خلال تنشيط الاستثمار ومحاربة الانكماش.

واذا كان العاملان قد حصلا فعلا نتيجة ظروف متنوعة، منها التيسير الكمي، يبقى ان العامل الثالث غيرمضمون ولا يمكن المراهنة عليه ويبقى رهن التطورات ووضعية المصارف الاوروبية وثقة المستثمر في اقتصاد اوروبا، واستعداد المستهلك في خضم تراجع الاسعار ونسب التضخّم.

يبقى القول ان هذه العملية والتي أطلقها دراغي الخميس الماضي ما زالت غير واضحة والغموض يمكن ان يثير الذعر لدى المستثمرين بأن عمليات شراء الاصول وعلى نطاق واسع لن تكون كافية لمواجهة الانكماش.

واوروبا تعتمد التسيير الكمي في الوقت الذي انتهت منه معظم الدول وقطفت نتائجه اميركا اليوم، تتجه الى رفع اسعار فوائدها مجددا بما يعني اتجاهات مالية مختلفة تماما بين الدول المتقدمة وخيارات متفاوتة ولكن على ما يبدو هذه العملية هي اخر المحاولات للخروج من حالة الركود هذه وان لم تنجح يكون المركزي الاوروبي واوروبا متجهين لا محالة الى عقد، وربما اكثر، من الركود والانكماش والبطالة بما يعني ضغوطا متزايدة على الوحدة الاوروبية واليورو وتكون كلمة دراغي الشهيرة «واتافر ات تايكس» قد ذهبت ادراج الرياح نتيجة تلكؤه في الاوقات المصيرية في اتخاذ القرارات الهامة. وللعلم، لن يساعده مطلقاً نجاح Syriza المدوي في الانتخابات اليونانية.