IMLebanon

هل انتقلت العدوى اللبنانية إلى تركيا؟

TurkeyEcon1

بروفسور جاسم عجاقة

يُعاني الاقتصاد التركي منذ ثلاث سنوات من تباطؤ في النموّ نتيجة عوامل عدّة منها إقتصادي ومنها سياسي. وتأتي العملية العسكرية التي تقوم بها أنقرة على الحدود مع سوريا ومع العراق وفي ظلّ عجزها عن تشكيل حكومة جديدة، كمؤشر سيّئ للإقتصاد التركي.

يحتلّ الاقتصاد التركي المرتبة الأولة إقليمياً من ناحية الحجم مع ناتجٍ محلّي إجمالي يفوق الـ 800 مليار دولار أميركي. هذا الحجم الكبير يواكبه دين عام يوازي الـ 35.5% من الناتج المحلّي الإجمالي، بطالة بنسبة 10%، تضخّم 8% وأفق سياسية غامضة دفعت بوكالات التصنيف الإئتماني إلى تخفيض التصنيف الإئتماني لتركيا مع نظرة سلبية للمُستقبل (موديز – Baa3).

 

ويُعاني القطاع السياحي التركي من حال تراجع كنتيجة للهجوم على فندق للسياح في تونس والمعارك على الحدود التركية السورية والعراقية. هذا الأمر دفع إلى تراجع العائدات السياحية بنسبة 10% خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام. وتراجعت الصادرات التركية وزاد في المقابل الإستيراد إلى درجة أصبح عجز الميزان التجاري التركي يوازي 64 مليار دولار أميركي.

 

ومع معدّل بطالة يُقارب الـ 10% ونموٍّ لا يزيد عن 2.4% وتضخم بحدود الـ 8%، بدأت المعجزة التركية بمواجهة صعوبات جمّة وعلى رأسها إستدامة النموّ الاقتصادي الذي بلغ 10% في السنين الماضية.

 

هذا النموّ الهائل الذي سجّله الإقتصاد التركي على مدى عشر سنوات هو نتيجة الإصلاحات التي قامت بها الحكومة التركية في العام 2001 والتي تضمّنت خطة بأربع نقاط: إستقلالية البنك المركزي التركي، إعادة رسملة عدد من البنوك العامة والخاصة، إقفال المصارف التي في وضع الإفلاس، وإعادة هيكلة عدد من المؤسسات العامة والخاصة.

 

وعلى الرغم من محدودية هذه الإصلاحات، سمحت هذه الأخيرة بوضع الأسس لبنية مالية وإقتصادية صلبة إستفادت منها تركيا عبر تدفّق رأس المال الأجنبي الذي أدّى إلى زيادة الإستثمارات والإستهلاك.

 

لكنّ ضعف الإصلاحات في الإطار القانوني الذي يواكب هذا التطوّر الاقتصادي أدّى في العام 2012 (أيْ منذ ثلاث سنوات) إلى تراجع كبير في نسبة النموّ من 10 إلى 2.4% وهذا الأمر يعود إلى العوامل التالية:

 

أولاً: تراجع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى تركيا وذلك بسبب عوامل عدة وعلى رأسها عوامل سياسية وأخرى إقتصادية كإنخفاض عائد الإستثمار.

 

ثانياً: ضعف الإدخار للمواطن التركي ما جعل الاقتصاد التركي يعتمد بشكل شبه كلّي على الإستثمارات الخارجية كما على تدفّق رؤوس الأموال. وبالتالي أصبح من الصعب على الاقتصاد تحفيز الإستثمار والإستهلاك بمعزل عن رؤوس الأموال هذه، بل على العكس أصبح الإستثمار والإستهلاك متعلقين بشكل كبير بحجم تدفق رؤوس الأموال.

 

ثالثاً: زيادة مديونية المواطن التركي بعشرة أضعاف عما كانت عليه منذ عشرة أعوام. هذا الأمر قلّل من قدرة الـ 76 مليون تركي على الإستهلاك خصوصاً مع غياب مصادر تمويل داخلية.

 

رابعاً: زيادة العجز في الميزان التجاري (64 مليار دولار أميركي) وذلك كنتيجة للإستهلاك المُفرَط والناتج عن تمويله من تدفق رؤوس الأموال وعجز الاقتصاد التركي على تلبية الطلب الداخلي وبالتالي أصبحت تركيا تستورد ما كانت تُصدّر سابقاً (لحوم وقمح…).

 

خامساً: غياب إصلاحات إقتصادية تسمح بتفادي التعلق المُفرَط بتدفق رؤوس الأموال من الخارج.

 

سادساً: تدخّل الحكومة التركية بالقطاع المصرفي التركي وتجاوزها للقانون المصرفي التركي عبر مصادرة بنك آسيا (ثالث أكبر مصرف في تركيا) الذي تعود مُلكيته إلى معارضين سياسيين .وهذا الأمر أدّى إلى ضعف الثقة العالمية في القطاع المصرفي التركي وبالتالي قامت العديد من المصارف الأجنبية بالإنسحاب من السوق التركي مدعومة بتراجع العائد على الاستثمار وتراجع قيمة الليرة التركية.

 

وإنخفاض النموّ المُسجّل في العام 2014، دفع بالرئيس التركي إلى الطلب من حاكم المصرف المركزي التركي بخفض الفائدة على الليرة التركية. لكنّ هذا الأخير رفض متسلِّحاً بسببين رئيسَين: الأوّل نسبة التضخم المرتفعة والثاني تدهور سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي والتي خسرت من قيمتها 30% في خلال عام واحد.

 

لكن ومع إصرار الرئيس التركي على الأمر، نشأت مواجهة حادة بين الطرفين إعتبرتها مؤسسات التصنيف العالمي خرقاً للقانون التركي الذي ينصّ على إستقلالية السياسة النقدية. هذا الأمر دفع بورصة إسطنبول إلى التراجع بنسبة 20% عما كانت عليه في أوائل العام 2015.

 

الحراك العسكري: مشكلة على الاقتصاد

 

على أثر الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش في تموز الماضي على دام في جنوب تركيا على الحدود مع سوريا، أعلنت أنقرة أنها لن تسمح بالمساس بأمنها القومي. وقامت الطائرات التركية منذ ذلك الوقت بتنفيذ غارات جوية على مواقع الأكراد وداعش في سوريا والعراق.

 

وفي تصريح صدر نهار الأربعاء الماضي، أعلنت أنقرة عن نيّتها إطلاق هجوم عسكري واسع النطاق ضدّ تنظيم الدولة الاسلامية في شمال سوريا وذلك بهدف محاربة الإرهاب (طبقاً للتعبير المُستخدم).

 

كلّ هذا ستكون له من دون أدنى شك تداعيات سلبية على الإقتصاد التركي الذي كما وسبق الذكر يرزح تحت عبء عوامل إقتصادية وسياسية أدّت إلى تراجعه. هذه التداعيات السلبية تتثمل بتردّي الوضع الأمني في شرق تركيا (معقل حزب العمال الكردستاني) كما والعودة إلى تفجيرات في قلب العاصمة إسطنبول.

 

هذا الأمر سيُضعف شهية المُستثمرين الأجانب وبالتالي سيقلّل من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية التي هي حيوية للإقتصاد التركي. أضف إلى ذلك أنّ المالية العامة في تركيا وفي حال نفَّذت تركيا تهديدها بشنّ هجوم واسع النطاق في شمال سوريا، ستُسجّل عجزاً هائلاً ما سيزيد الدين العام وبالتالي تدهور الليرة التركية.

 

وعلى الصعيد السياسي، لم تستطع أنقرة حتى الساعة تشكيل حكومة منذ الإنتخابات الأخيرة التي جرت في تموز وذلك نتيجة خسارة حزب أردوغان للغالبية المطلَقة في مجلس النواب التركي. ويتوقع المحلِّلون السياسيون أن تفشل المفاوضات في تشكيل الحكومة ما يعني أنه ستتمّ الدعوة إلى إنتخابات جديدة. وفي هذه الحال سيكون هناك تداعيات سلبية على الإستثمار والإستهلاك نتيجة الغموض السياسي الذي سينتج عن هذه الإنتخابات خصوصاً أنّ إستطلاعات الرأي تُشير إلى أنّ الوضع سيبقى على حاله.

 

وفي كلّ الأحوال، فإنّ سعر الفائدة في تركيا سيرتفع حتماً وذلك منعاً لتدهور الليرة التركية وأيضاً لجذب رؤوس الأموال الأجنبية. كما أنه من المتوقع أن يتدهور القطاع السياحي أكثر مع بدء العنف في تركيا نتيجة هجومات مُحتمَلة لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا. وهنا يُمكن القول إنّ الاقتصاد التركي يدفع فاتورة السياسة التركية، فهل إنتقلت العدوى اللبنانية إلى تركيا؟