كتبت تانيا عازار في صحيفة “الجمهورية”:
يحتفل المسيحيون في 6 كانون الثاني من كل عام بذكرى عمادة السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن، ويحمل هذا العيد رمزيّة خاصة في نفوس المسيحيين لأنّ العماد يعتبر مدخلاً لاعتناقهم هذا الدين الذي أتى بالسلام والمحبّة الى البشرية ونشر رسالته بالكلمة.
بحسب طقس الكنيسة المارونية وبقية المذاهب المسيحية، فإنّ عيد الدنح هو عيد الظهور الإلهي، حيث يتجلى الثالوث الأقدس وتتفتّح السماء ويعلن الآب السماوي عن حبه ويقول هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، ويظهر الروح القدس بشكل حمامة وتتجلى ألوهية الإبن الذي يقبل مسحة الروح. ويشير الأب يوسف الخوري لـ”الجمهورية” الى أنّ “هذا العيد هو عيد الدنح كما يسمّيه الكلدان في العراق.
والدِّنحُ كلمة سريانيّة، تعني الظهور والاعتلان والإشراق، وتعبّر عن المعنى اللاهوتي الحقيقي لعيد الغطاس، عيد اعتماد الرب يسوع في نهر الأردن من يوحنا المعمدان، وبدء ظهوره للعالم”.
لقد كان مسيحيّو الشرق يحتفلون بعيدي الميلاد والغطاس معاً، ولكن بعد اكتشاف موعد العماد وأنّه منفصل عن موعد الميلاد، بات العيد عيدين يحتفل بهما المسيحيون في موعدين مختلفين. وﺗﺴﻤّﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺑـ”ﺪﺍﻳﻢ ﺩﺍﻳﻢ” لتأكيد حضور الله الدائم على الأرض. ويقول الخوري في هذا السياق: “إنّ المعمودية ترمز إلى موت المسيح وقيامته والشركة أو الوحدة معه في موته والولادة مجدداً والدخول إلى الحياة بالروح”.
ويضيف: “حين يعتمد الإنسان وينتمي إلى العائلة المسيحية يصبح ممسوحاً بالروح القدس وقادراً على دخول الكنيسة ويتحمّل مسؤولية خدمة المسيح ونشر رسالة المسيحية”.
ويلفت الى أنّ “المعمودية التي مارسها يوحنا المعمدان كانت معمودية الغفران والتوبة، ثم تحوّلت مع المسيح ظهوراً إلهياً وأكّدت فِعل موت الرب يسوع وقيامته”.
تعدّ النساء في هذا العيد حلويات متنوعة مثل العوامات، الزلابية، القطايف التي تغطّس بالزيت وتقلى ثم تحلّى بالسكر. ويُضيء الناس منازلهم ولا ينامون إلّا بعد مرور الـ”دايم دايم” عند منتصف الليل، ليبارك المنازل ومن فيها، كذلك تعلّق العجينة على الباب لكي يباركها وتختمر.
يقال إنّ عشية ليلة العيد يأتي المسيح وتنحني له كل الأشجار باستثناء شجرة التوت التي يوقد الناس أغصانها لأنّها تتسِم بالكبرياء. فانحناء الأشجار بحسب الخوري يرمز إلى “انحناء الحياة ليسوع”. وفي اليوم التالي يجلب الناس زجاجات المياه للصلاة عليها خلال قداس العيد ثم يرشّون منازلهم لتتبارك.
في ظل المآسي، يتقلّص عدد مسيحيّي الشرق تدريجاً بحيث يسيطر الخوف، لأنّ ثقافة الرسالة والشهادة ليسوع غائبة وهي كفيلة بتقوية الإنسان وجَعله يتحدّى الألم ويتحمل الموت والإضطهاد. لذلك، يجب أن يجدد الإنسان معموديته لكي تتجدد حياته الروحية.