IMLebanon

كارلوس يروي كيف كان مسؤولو نظام الأسد يؤدّون له التحية!

 

 

يواصل كارلوس روايته لبعض الاحداث التاريخية، في لقاءات أجراها معه الصحافي الفرنسي لاسلوا لزكاي، وتنشر “القدس العربي” حصريا بعض محاورها بالتنسيق مع الكاتب السوري فاروق مصارع المشرف على النسخة العربية للكتاب الذي سيصدر قريبا عن قصة حياة كارلوس.

يتحدث كارلوس عن لقائه الأول بوديع حداد، عندما جمعهم جورج حبش في جلسة في بيروت، وقدم كارلوس لحداد واصفا اياه بالثائر الفنزويلي الخبير بالعمليات الأمنية وخطف الطائرات، قائلا لحداد انه سيكون “ساعدك الايمن”، ولكن كارلوس يصف ردة فعل حداد في لقائهم الاول بالبرود، حيث سلم عليه “بطرف يده” من دون اكتراث، ومن دون حتى ان ينظر له. ومن بيروت انطلق كارلوس نحو الاردن ليلتحق بالمخيمات الفلسطينية هناك، واستقبله بسام ابو شريف في معكسرات بتلال عمان، وعن أيلول الأسود في الأردن عام 1970 يقول ان كتيبته قاتلت حتى النهاية قبل المغادرة الى لبنان، وفي اجتماع مع جورج حبش ببيروت، يدور نقاش عن اسباب الانتكاسة للقوى المسلحة الفلسطينية في الاردن، وكان حبش يسأل كارلوس لماذا زج الملك حسين بالجيش في تلك العملية لابعاد الفلسطينيين، فيجيب كارلوس ان احد اسباب الاخفاق الفلسطيني بالاردن هو الابتعاد عن الشعب الاردني: “لم نكن قريبين لهم، كنا منعزلين.. خسرنا الشعب”.

وينتقد كارلوس بشدّة ما اعتبرها يسارية مبتذلة لدى بعض رفاقه اليساريين، لم تكن تروق له كـ”ثائر ارستقراطي” كما يصف نفسه، فيقول انه وفي معسكرات الجبهة بالاردن كان ينزعج من مشهد الفتيات اليساريات القادمات من البلدان الاسكندنافية وهن ممدات على الارض بالمعسكرات “عاريات الصدور” من اجل التعرض للشمس، كما انتقد بعض الشباب اليساريين القادمين من بلدان اجنبية قائلا انهم كانوا يمضون معظم وقتهم “بالسكر والحشيش”، ويصفهم كارلوس بـ”أصحاب الشعور الطويلة القذرين، كانوا يفتخرون انهم لا يستحمون” حسب قوله.

ويعلق الكاتب السوري فاروق مصارع مشرف النسخة العربية لكتاب كارلوس والذي كان يوما جزءًا من تنظيم جبهوي لحزب “البعث العراقي” في الأردن ولبنان، ان معظم الحركات القومية واليسارية كانت تعاني من “عجرفة ثورية”، وكانهم سلاطين في معسكراتهم، ويضيف مصارع “ كما الحالة اليسارية كنا نحن ايضا في بعث العراق، اصبح لدينا انفصال وازدواجية، صار البعثي مغرورا ولديه رغبة بالهيمنة”.

ويعود كارلوس لرواية عملية خطف وزراء نفط دول الاوبك في فيينا، بتفاصيل دقيقة، حيث بدأت العملية بطلب الزعيم الليبي القذافي بالانتقام من سياسة السعودية النفطية التي اتهمها حين ذاك بالعمل على خفض أسعار النفط لمصلحة الولايات المتحدة، وتم الاتفاق بين القذافي وجماعة كارلوس من خلال أحد رفاق كارلوس بالجبهة الشعبية وهو الشاعر القومي السوري كمال خير بيك، الذي التقى مع مسؤولين بالمخابرات الليبية انذاك الكولونيل ابو بكر يونس، ويونس رمضان، واستلم خير بيك ثلاثين الف دولار كمصاريف للسفر، ووعد القذافي بدفع خمسين مليون دولار كتبرع لهم حال لاتمام العملية، ولكن القذافي كان يستهدف تحديدا وزيرين اثنين، هما السعودي اليماني والإيراني جمشيت امزغار وزير الحكومة بعهد شاه إيران انذاك. وديع حداد حذر كارلوس قائلا “الليبيون غير جديين ولا يمكن الاعتماد عليهم بالكلام، لكن سنقوم بالعملية على أي حال”.

ويروي تفاصيل تنفيذ العملية، عندما ادخل السلاح مع مجموعته لقاعة الاجتماع بصفتهم صحافيين ودبلوماسيبن، وبعد مقتل احد الحراس وسيدة نمساوية، ارادوا الخروج من فيينا نحو ليبيا، لكنهم ذهبوا بالنهاية إلى الجزائر التي طلبت من كارلوس إطلاق وزراء النفط المختطفين ومن بينهم اليماني، حيث تلقى عروضا من السعودية وإيران بدفع مبلغ 75 مليون دولار كفدية لاطلاق وزرائهم، ومع ان وديع حداد كان يريد قبول هذه “الفدية” لتدعيم ميزانية الجبهة الشعبية، إلا ان كارلوس رفض ذلك قائلا “نحن ثوريون ولسنا مرتزقة” حسب كلام كارلوس. وقبل ان يفرج عن الرهائن بتسوية جزائرية اقتضت دفع مليون دولار ومنح كارلوس ورفاقه اللجوء السياسي، اوشك انيس النقاش (الذي كان حينها من ضمن مجموعته) ان يرتكب فعلا متهورا خلال نزول الوزراء الرهائن من الطائرة كما يروي كارلوس، اذ استل مسدسه واقترب مهددا باطلاق النار على الوزير السعودي اليماني، مما دفع كارلوس للتصدي للنقاش ومنعه، وهو الأمر الذي أغضب وزير الداخلية الجزائري قائلا للنقاش “هاي تعملها بالطيارة، لكن ليس على أرض الجزائر”.

أدّت عملية اختطاف وزراء الاوبك في فيينا وما تعرض له الوزير اليماني لغضب سعودي كبير، واصبح كارلوس مطلوبا وملاحقا من اجهزة الاستخبارات الدولية، ورغم ذلك ظلت تربطه علاقات وطيدة ومصالح متبادلة مع قادة منظمة التحرير وعلى رأسهم ابو عمار وابو اياد، الذي اخبره يوما انه ذاهب بجولة لعدة دول خليجية لجمع مبالغ دعم مالي للفلسطينيين. ويروي كارلوس انه اخبر ابو اياد عن علمه بان الملك فهد بن عبد العزيز ( كان وليا للعهد بتلك الفترة) يكن كراهية شديدة لكارلوس وقام بوضع صورة قديمة لكارلوس على مكتبه كمطلوب، وظل يعمل على ملاحقة كارلوس امنيا، فما كان من كارلوس إلا ان اعطى ابو اياد صورة حديثة لكارلوس ليوصلها لولي العهد حينذاك فهد بن عبد العزيز، وهذا ما فعله ابو اياد عندما التقاه.

ويقول كارلوس إنّ ولي العهد السعودي اعتقد أنّ هذه الصورة هي رسالة تحذير وتهديد جديدة، فقام بمنح ابو اياد شيك بقيمة 16 مليون دولار لحساب منظمة التحرير، وعندما عاد أبو اياد التقاه مجددا وأبلغه بحصوله على هذا المبلغ من السعودية، ليطالب كارلوس بحصة مليون من الـ16 مليون دولار معتبرا أنّ له الفضل بتحصيل هذا المبلغ، ولكن ابو اياد عرض الأمر على ياسر عرفات الذي استقبل كارلوس بإحدى الجلسات وابدى ابتهاجه بحجم التبرعات التي حصل عليها ابو اياد من جولته، وعندما عاد كارلوس ليطالب بحصة مليون من المبلغ، قام ابو عمار “بحضنه وتبويسه” من دون أن يعطيه شيئا ممّا اراد، وهنا يعود كارلوس لتعليقاته “الارستقراطية” بالتندر حول أبو عمار وقبلاته وأحضانه وملابسه الرثة.

وبعد ان رفض ياسر عرفات منح كارلوس اي حصة من مبلغ الـ16 مليون، عاد ابو اياد ليبلغه ان ابو عمار وافق على منحه المليون دولار لكن بخمسين الف دولار شهريا، ليرفض كارلوس العرض معتبرا انه ليس “موظفا يتقاضى راتبا”، وما كان منه إلا ان سافر للقذافي، ليستلم منه مليوني دولار حسب قوله. وظل معاديا للحكومات الخليجية وحاول استهدافها اذ يتحدث عن محاولتي خطف واغتيال للسفير الاماراتي والسعودي في لندن واثينا، فخطط لاغتيال السفير السعودي بأثينا، بوضع قنبلة أسفل سيارته، تحت المقعد، ولكنّها انفجرت بعد نزول السفير واصيب السائق.

وفي لندن عام 1975، خطط لخطف السفير الاماراتي مهدي التاجر، من أجل الحصول على فدية بمئات الملايين لتمويل الجبهة الشعبية.

ولكن فاروق مصارع الكاتب السوري الذي عاصر تلك المرحلة وهو على تماس مع القوى الثورية الفلسطينية، يرى أنّ أساليب الخطف والاغتيال وبعد سنوات قليلة، من شيوعها باتت مرفوضة لدى قادة منظمة التحرير بل ولدى قادة الجبهة الشعبية نفسها، ويضيف: “هذا الخلاف بين قيادة المنظمة التي باتت تحتفظ بعلاقات طيبة مع الحكومات الدولية والعربية، أدّى لابعاد كارلوس شيئا فشيئا، وبالنهاية وفي منتصف السبعينيات انتقد جورج حبش في اجتماع للجنة المركزية للجبهة الشعبية هذه العمليات وأراد إيقافها، لكن وديع حداد رفض واعلن انفصاله حينها وشكل الجبهة الشعبية العمليات الخارجية، وانضمّ له كارلوس، ثمّ استقل كارلوس بمنظمته التي أطلق عليها المنظمة الثورية العالمية، قبل أن يتوفى حداد في المانيا، ويقول كارلوس ان وديع حداد لم يمت بسرطان الدم كما قيل، بل انه توفي مسموما وان كبده كان مليئا بالسموم”.

ويتحدث كارلوس عن فترة اقامته بدمشق ولقاءاته بباسل الأسد، ويضيف انه كان يلتقي مناف طلاس في فندق شيراتون دمشق، وكان طلاس يتسبب باحراجه اذ كان كثيرا ما يقوم بتوجيه تحية عسكرية له في بهو الفندق، وهو ما كان يزعج كارلوس كونه يكشف هويته التي اراد اخفاءها عن من يراقبه من عملاء الولايات المتحدة حسب قوله.

ويتندر بالنظام السوري “البخيل”، اذ يقول انه استلم في احد المرات من المسؤول الامني محمد الخولي مبلغ الف دولار، ورغم ضآلته إلا انه ذهب ليتباهى به امام رفاقه بالمنظمات الأخرى بدمشق مفاخرا انه الوحيد الذي حصل على المال من “النظام البخيل الذي لا يدفع لاحد”!

ويقول كارلوس انه ظل في دمشق حتى طلب منه مسؤولان سوريان وهما علي مملوك ومحمد الخولي المغادرة خلال اشهر، بعد تحسن علاقة النظام السوري في الولايات المتحدة اثر مشاركة حافظ الاسد بحرب الخليج الاولى عام 1991، فذهب بعدها للأردن ثم طلب الأميركيون من الملك حسين ابعاد كارلوس مجددا، فذهب حينها للسودان التي كان يلتقي فيها “من بعيد” مع بن لادن، حيث اقام حينها بن لادن وكارلوس وعماد مغنية ايضا، ويروي كارلوس كيف كانت المخابرات الأميركية تراقب معسكراتهم بعد اكتشافها، من خلال قمر صناعي كان مخصصا للسودان هو KH11. ويقول ان الذي كان يمول ويدير عمليات التجسس على هذه المعسكرات هو مدير المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان، قبل ان تخضع السودان للضغوط بابعاد بن لادن وتسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية، وهو الأمر الذي يعلق عليه باستياء، لأنه حسبما نقل عنه باللقاءات من داخل سجنه، كان يستبعد ان يقدم السودان والترابي على تسليمه. معتبرا انها “اعراف العرب والمسلمين بعدم الغدر بالضيف المستأمن” حسب كارلوس الذي يتساءل أيضًا ان كان قد تم تسليمه لوحده دونا عن بن لادن ومغنية لانه ليس عربيا.