IMLebanon

إنتبهوا… الأذى النفسي يدمر الطفل

كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:

حين نصادف شخصاً إنفعالياً كثير الغضب، أو آخر مرهف الإحساس يبكي أمام أصغر الصعاب، أو شخصاً وصل به الإجرام حدّ القتل، غالباً ما نتساءل عن الحالة التي تحمله على التعبير بطرق غريبة أو مبالَغ بها أو حتّى إجراميّة. ولكن يؤكد علماء النفس والدراسات النفسية أنّ الكثير من هذه التصرّفات نمت مسبّباتُها في فترة الطفولة.

أفادت دراسة أميركية أنّ إيذاء الأطفال نفسياً من قبل الوالدين أو القائمين على تربيتهم، قد يتسبّب في أضرار عاطفية لا تقلّ خطورة عن الأضرار الناتجة عن الأذى الجسدي أو الجنسي.

وأكد المُشرف على الدراسة، المدير التنفيذي لمركز الصدمات في معهد «غاستيس ريسورس» الأميركي جوزيف سبينازولا، تشابهَ الأعراض المترتّبة على كلٍّ مِن الأذى الجسدي أو الجنسي أو النفسي.

ولفت إلى أنّ الأذى النفسي يتحقّق مثلاً حين لا يحصل الطفل «على أيّ نوع من الحبّ أو الدفء والعاطفة، بل يتلقّى في المقابل العداوة أو التهديدات أو المطالب المستحيلة، وكأنه عدوّ أو وحش أو مخلوق بائس غير محبوب».

للأذى درجات

ويميّز الباحثون بين الأذى النفسي الذي يؤدّي إلى صدمات نفسية وبين ما وصفوه بـ «الاختلال في التربية»، والذي يحدث عندما يفقد الآباء والأمهات أعصابهم أحياناً عند التعامل مع أولادهم.

هذه أشكال العنف النفسي

مَن يمارس الأذى النفسي من الأهالي أو المربّين غالباً ما يعتقد أنّ تصرّفه المؤذي، طبيعي. يأتي هذا الاعتقاد ربّما بسبب طباع الأهل أو المربّين الحادة وعدم سيطرتهم على أنفسهم، وغالباً بسبب جهلهم. علماً أنّ بعض السلوكيات المؤذية للطفل معروف من العامة وفاقع وبعضها يحتاج لتحديد دقيق.

يطرح بعض الباحثين تصنيفات تحدّد أشكال الأذى النفسي تجاه الطفل وجميعها تهدّد تطوّره النفسي والعقلي والاجتماعي، ومنها:

• التقليل من أهمية الطفل أو رفضه: هي أذية كلامية تجمع بين رفض الطفل وتجاهله بوضوح. مثلاً، حين يرفض أحد الأبوين مساعدة الطفل أو يتجاهل طلبه للمساعدة. وتشمل هذه الأذيّة معاملة الطفل بطريقة تقلل من شأنه أو إهانته أمام الناس.

• تخويفه: تهديد الطفل بممارسة العنف الجسدي عليه أو قتله أو تركه، أو تعريض الطفل لتهديدات موجّهة ضد أشخاص أو أشياء يحبّها. ومن أدوات تخويف الطفل أيضاً تركه وحده دون رقابة في وضع خطير.

• العزل: عزل الطفل اجتماعياً وجسدياً من قبل شخص كبير. مثلاً «زرب» الطفل في الخزانة لفترة طويلة من الوقت. كما يمكن أن يقرّر البالغ الحدّ من علاقات الطفل الاجتماعية بلا سبب وحرمانه من فرص توطيد علاقاته مع الآخرين.

• استغلاله وإفساده: مثلاً تعريض الطفل لنماذج تصرفات غير اجتماعية أو أدوار غير واقعية أو تشجيعه والسماح له بالقيام بتصرفات منحرفة القيَم، ومنها تعريضه لسلوكيات جانحة وتشجيعه مثلاً على القيام بأعمال جنسيّة أو حبسه في المنزل ليقوم بدور الخادم بدل إرساله إلى المدرسة.

• إهمال حاجاته العاطفية: تجاهل محاولات الطفل للحوار والتفاعل أو رفض محاولاته لإرساء علاقات عاطفية مع أهله وتشمل تبادل القبل والحوار والعواطف الكلامية. من خلال تجاهل الطفل يوصل الأهل له رسالة بأنه لا يهمهم وبأنهم غير متوفرين لحضنه عاطفياً.

النتائج

ذكرت الدراسة أنّ الأطفال ضحايا الأذى النفسي أكثر عرضةً للاكتئاب بنسبة 78 في المئة، وهم قابلون للإصابة باضطرابات القلق بنسبة 80 في المئة مقارنةً بغيرهم كما يهدّدهم التوتّر بنسبة 92 في المئة.

وقارن الباحثون الأطفال الذين تعرّضوا لأذى نفسي بآخرين عانوا من الأذى الجنسي. وتوصّل الباحثون إلى أنّ الأطفال ضحايا الأذى النفسي أكثر عرضة لمواجهة مشكلات دراسية، وممارسة الأنشطة الإجرامية وإيذاء أنفسهم جسدياً.

وأشار الباحثون إلى أنّ كلّاً من الأذى الجسدي والجنسي يحظى باهتمام أكبر من إيذاء الطفل نفسياً إذ يسود اعتقاد شائع بأنهما أكثرُ هدماً للشخصية بينما كشفت الأرقام تفوّق الأذى النفسي في إطار تدمير شخصية الطفل.