IMLebanon

كريستين شويري: طوال عمري بحثت عن هذه اللحظة

كتبت رنا أسطيح في صحيفة “الجمهورية”:

أحد أبرز نقاط القوّة في فيلم زياد دويري الجديد «قضية رقم 23» هو طاقمُ ممثّليه الذين قدّموا جرعاتٍ عاليةٍ من البراعة التمثيلية الاستثنائية، ما تكلّل أخيراً بفوز أحد أبطال العمل، الممثل الفلسطيني كامل الباشا بجائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الرابعة والسبعين. كريستين شويري وهي إحدى بطلات الفيلم الذي انطلقت أمس عروضُه التجارية في مختلف الصالات اللبنانية، تكشف في حديث خاص لـ «الجمهورية» عن كواليس العمل الذي سيمثّل لبنان رسمياً في جوائز الأوسكار العالمية.

في إحدى مقابلاته، أفصح زياد دويري مخرج فيلم «قضية رقم 23» الذي كتبه بالاشترك مع جويل توما أنه أجرى اختباراتِ تمثيل لما بين 400 و500 ممثل، قبل أن يختار الممثلين الذين أُسندت إليهم أدوارُ الفيلم. وفي العرض الأوّل للفيلم في لبنان يوم الثلثاء الماضي، عاد ليؤكّد أنّ أفضل دعاية لفيلمه هم الممثلون أنفسهم الذين شاركوا فيه».

عودةٌ سينمائية

من بين هؤلاء تبرز الممثلة المحترفة كريستين شويري التي عادت من خلال «قضية رقم 23» إلى الشاشة الكبيرة بعد نحو خمس سنوات على آخر أفلامها بعدما كانت شاركت عام «2012» في فيلم «غدي» للفنان اللبناني جورج خبّاز والذي حصد بدوره جوائزَ محلّية وعالمية عدّة.

هذه العودة السينمائية تكتسب معاني خاصة بالنسبة إلى ممثلة من طراز كريستين شويري، التي لم تقدّم في أداورها على مدى 3 عقود من الزمن سوى جرعاتٍ من ذاتها مغلّفة بالشفافية والصدقية العالية وكأنها أوراق تغليف هدايا جميلة وباهظة الثمن.

بالنسبة إليها «المشارَكة في هكذا فيلم كانت فرصةً لا تعوَّض. فبعد فيلم «غدي» انتظرتُ 4 سنوات لأصوّر فيلماً جديداً. وبالنسبة لي، زياد دويري من أهم المخرجين اللبنانيين-العالميين. والنصّ كان رائعاً وفيه حقيقية عالية في المشاعر، وشفافية بمعالجة الموضوعات، تقرّب المشاهد من الإنسان الذي قد يكون أحياناً بشعاً بكراهيّته وتعصّبه ولكنه يستطيع في المقابل أن يظهر بأبهى حلّة عندما يحكّم عقلَه وضميرَه وقلبَه».

لحظةٌ لا تُنتسى

كريستين التي تشاركت مع زملائها الممثلين لحظةً تصفها بالرائعة في مهرجان البندقية «عندما قوبل طاقمُ الفيلم بموجة تصفيق استمرّت لأكثر من 5 دقائق»، تقول: الـ «Standing «ovation تعطي للممثل شعوراً لا يوصف.

هذه المرّة الأولى التي أحسّ بهذا الشعور وعند عرض الفيلم خلال المهرجان، كانت هناك لحظاتٌ نشعر فيها برغبةٍ بالبكاء بسبب قوّة بعض المشاهد المؤثرة وفي لحظاتٍ أخرى نبتسم ونحن نرى نتيجة الجهد الجماعي الرائع المبذول في هذا العمل. وعندما رأيتُ الجمهورَ واقفاً واستمرّ بالتصفيق لدقائق لم أستطع أن أحبسَ دموعي كان الشعورُ بالفعل قوياً جداً».

بُعدٌ سايكولوجي

وتضيف: «تأثّرت بمدى تفاعل الناس معه وفهمهم لمضونه علماً أنّ هذا الأمر ليس سهلاً ربما على جمهورٍ أجنبي، فصحيحٌ أنّ الفيلم مرتبطٌ بخصوصيّة لبنان والانقسامات التي كانت أيامَ الحرب اللبنانية ولكنّه في النهاية فيلم يروي قصّة رجلين يتصادمان لأسباب خاصة بهما، ولكن هكذا مشكلة قد تحدث في أيّ مكان في العالم، الفارقُ الوحيد هو أنّ هذه الأحداث في لبنان لها أبعاد مختلفة بسبب ما يختلف على أرض الواقع في ضوء الانقسامات التي ولّدت كراهية بين الأفراد لأسباب سياسية أو تاريخية… وفي الخارج، هناك ربما أسبابٌ مختلفة ولكنها تؤدّي الى النتيجة نفسها وهي كره الآخر ورفضُه لأنّ جوهر الموضوع هو نفسه أينما كان.

فالفيلم لديه بعدٌ سايكولوجي يدور حول أصل الخلاف وأسباب نشوء الكراهية وما هي نتائجها. وهذه المشاعر تتراكم مع الإنسان منذ الطفولة بسبب أحداث يعيشها أو يشاهدها في محيطه وبيئته الخاصة أو لأنه ببساطة يتربّى عليها وتنغرس في وجدانه».

إحترافيةٌ عالية

وعن العمل مع زياد دويري تقول: «زياد دويري متطلّبٌ جداً كمخرج وهذا أمر رائع لأنه شخص يعرف تحديداً ماذا يريد وكيفيّة التعامل مع الموضوع، وكل ذلك في ظلّ احترامٍ للعمل والعاملين والموضوع الذي يعالجه.

وما وجدته في العمل مع زياد هو أنّ لديه طاقةً إيجابيّة في موقع التصوير لم أشهد لها مثيلاً من قبل، واحتراماً للممثّلين بدءاً من الكومبارس وحتى أكبر ممثّل وقد حدث في الكواليس أكثر من موقف برهن خلاله عن مدى الاحترافية العالية في تعاطيه مع الجميع».

لا صحّ او خطأ مطلق

أما بالنسبة إلى موضوع الفيلم وردّة فعلها إزاءه كلبنانية تقول: «صحيح أنني لبنانية وعشتُ الحرب ولكنني لطالما كنتُ بعيدةً من الأجواء السياسية ومن الأحزاب والانقسامات خصوصاً لأنّ أهلي لم يكونوا يوماً منتمين إلى أيِّ حزبٍ ولم نكن في عائلتنا يوماً منحازين الى التفرقة بين مسلم ومسيحي أو سواهما، لذلك أنا بعيدة تماماً من الفكر الذي يقسم الناس بحسب انتماءاتهم الطائفية أو بحسب جنسيّتهم أو حتى معتقدهم.

وما جعلني الفيلم أراه هو أنّ الأمور ليست دائماً كما وصلتنا، وأنه من الضروري دائماً أن يتعرّف المرء الى وجهة نظر الطرفين المتنازعَين لأنّ كلّا منهما يعتقد أنه محقّ. فما مِن صح وخطأ بالمطلق والأمور ترتبط كثيراً بمنظور كلّ منا للحياة والعوامل التي تؤثر فيه».

المرأةُ في الفيلم

وبالنسبة إلى النماذج النسائية التي يقدّمها الفيلم وتُجسّدّها ممثلاتٌ من أمثال ريتا حايك وديامان بو عبود وجوليا قصار فترى كريستين أنّ «المرأة في هذا الفيلم تلعب دورَ الميزان.

فبقدر ما تكون الأمور مشحونةً بين الرجال، وكلٌّ منهم متمسِّك بوجهة نظره ويعتقد أنه هو المحقّ وأنّ الآخر هو المخطئ، بقدر ما نجد في المقابل أنّ النساء في الفيلم يحاوِلن تقريبَ وجهات النظر ويقلن للرجل إنّ الآخرَ أيضاً لديه وجهة نظر يجب مقاربتها.

والمرأة لم تقدِّم نموذجاً خاضعاً بل عل العكس تماماً كان صوتُها مسموعاً في الفيلم وهي حاولت في كل الشخصيات النسائية أن تحلّ المشكلة لا أن تفاقمَها داعيةً إلى تخطّي ترسّبات الماضي».

كريستين شويري الانتقائية

وكريستين التي تخطّى مشوارُها المهني عامَه الثلاثين تقول ردّاً على سؤال: «أكيد لديّ رضا على مشواري، فلم أقدّم عملاً وندمت عليه الى اليوم. وفي كل مرّة كنت أقوم فيها بخيار مهني، كان يتّضح لي أنّ الخطوة التي أخطوها هي الخطوة الصحيحة، لذلك هذا الأمر جميل ويعطيني دفعة أمل أكبر بالمستقبل، ففي هذه المهنة نصل إلى فتراتٍ نفكّر فيها، «طيب وماذا بعد؟ هل أترك كل شيء؟ هل أغيّر مهنتي؟ لا تحصل أمورٌ كثيرة في مجالنا تملأ قلبنا وعقلنا وتعطينا هذا الرضا الذاتي الذي نحتاجه على صعيد مشوارنا المهني.

وفي اللحظة التي تفكرين فيها هل عليّ أن أتوقف؟ هل أتخلّى عن الموضوع برمّته؟ هل أبحث عن مهنة أخرى؟ يأتي هكذا فيلم، وهكذا فرصة، فأقول لنفسي، هذه فرصةٌ لا يمكن رفضها ساغتنمها وسأرى ما يحصل لاحقاً. وهذا شعورٌ جميل في مهنة كالتمثيل في بلدنا!

التمثيل بالنسبة لكريستين، ليس هروباً إلى عالم آخر، ولكنه «وسيلة لكي نختبر شيئاً مختلفاً، أن ندخل إلى أماكن في ذواتنا قد لا نجد في الحياة الحقيقية داعياً للولوج اليها ولكن في الأدوار التي نؤدّيها نستطيع أن ندخل الى عوالم أخرى قد لا نعرفها في الحياة العادية.

هو تجارب ومشاعر يُتاح لنا أن نختبرَها بقوتها وبتطرّفها وبجمالها. في السينما نستطيع أن نفعل كلّ هذا وأكثر».

وعمّا تبحث عنه اليوم تقول: «أفكر منذ فترة بأمور وجودية تشغلني وأبحث عن أجوبة لها، وقد تنبّهت أنني أمضيتُ حياتي أبحث عن أمرٍ واحدٍ مهم بالنسبة لي وهو الحقيقية والأصالة. كل ما أفعله وأشعر به وأقوله يجب أن يكون في العمق حقيقياً وقوياً. وأظنني سأستمرّ في هذا البحث حتى النهاية».