IMLebanon

ما هو طبعُ أُمّك؟

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”: 

كلّ سنة، يحتفل لبنان بعيد الأم، ويهرع كلّ شخص لشراء هدية مناسِبة لأمه. كما تُنظَّم حفلات العشاء أو الغداء ضمن العائلة الواسعة وتُقطع قوالب الحلوى في هذا العيد الذي يحبّه الأطفال والأمهات والكبار على حدٍّ سواء. وعلى رغم اختلاف الأمهات عن بعضهنّ البعض، هناك قواسم مشتركة ما بينهنّ، أهمها: الحبّ والحنان والإهتمام. فهل تتمتّع جميع الأمهات بطبع واحد؟ وكيف يؤثّر طبعهنّ على أولادهنّ؟

«كل سنة وأنتِ بألف خير»، «عقبال كل سنة يا ماما!»، «أحبك بقدر حبّي لطبخكِ»… وغيرها من التمنيات نتشاركها مع الأمهات في عيدهنّ الذي يصادف كلّ سنة في الواحد والعشرين من شهر آذار، يوم بداية فصل الربيع.

ومَن منّا لا يُخزِّن في ذاكرته، أوقاتاً جميلة أمضاها مع والدته… وأيضاً أوقاتاً عصيبة طبعاً. ومن ضمن هذه الذكريات نسترجع ردّات فعل أمهاتنا على حادثة معيّنة ما يثبّت الاختلاف بين أمّ وأخرى. والاختلاف بين أمّ وأخرى طبيعي، فليست جميع الأمهات متماثلات، بل لكلّ واحدة منهنّ شخصيّتها…

الأم والمعنى النفسي

التضحية، الصبر، دعم الأطفال، العطاء، تحمُّل التعب، الحنان والحبّ الصادق، العاطفة، حلّ المشكلات، التفهّم للمواقف وغيرها… صفات تتحلّى بها كلّ أم. ولكنّ وتيرة هذه الصفات تختلف بين الأمهات حسب التكوين الشخصي والنفسي للأم. وتتميّز الأم بعنايتها تجاه أطفالها، وتنشئتهم تنشئة صالحة، بمساعدة مباشرة من الأب الذي يلعب أيضاً دوراً أساساً في التنشئة المُستقيمة.

ويؤكّد علم النفس أنّ الأمومة، من أصعب المسؤوليات التي يمكن أن تتحمّلها المرأة إذ تُحتِّم عليها الردّ على حاجيات الأطفال اليومية والنفسية والتي لا تقلّ أهمية عن حاجياتهم الأولى. فكل أمّ تهتم بالطابع الحياتي لطفلها: الطعام والشراب وزيارة الطبيب،… أما على الصعيد النفسي، فالأم تهتمّ بإعطاء العاطفة والحنان وبتعليم وتربية أطفالها… وطبعاً هذه الأمور يجب أن تتقاسم مسؤولياتِها مع الأب لتكوين أسرة متوازنة نفسيّاً.

وكمّ من أمّ عاملة!

لمساندة الأب ومساعدته إقتصادياً أو مالياً، لجأت الأم إلى العمل لتحملَ قسماً من نفقات وأعباء العائلة المالية. وتطوّر العلم الذي أصبح متاحاً للجميع بدون إستثناء، ساعد الأم على دخول سوق العمل في مجالات عدّة منها: التمريض والتدريس والطبّ والهندسة… وتحاول الأم العاملة الموازنة ما بين الأمومة التي تدفعها للإهتمام بأطفالها، وعملها خارج بيتها الذي يساعدها على مساندة زوجها مالياً.

طباعُ الأم المختلفة

طباع الأم تؤثّر تأثيراً مباشراً في طفلها الذي يبقى معظم الوقت معها. ولكن هذا لا يعني أنه سيشبهها ويتقمّص شخصيّتها، بل إنّ طبعَ الأم يؤثر في الطفل بشكل عام وفي تكوينه النفسي. وتنقسم طباع الأمهات إلى عدّة أقسام، هي التالية:

أولاً، الأم ذات الطبع الحازم. هي ليست أمّاً قاسية بل هي أمّ تدير حياتها وحياة أطفالها بشكل نافع وجدّي، وطبعاً مع الكثير من الحبّ والحنان. هذه الأم، تستطيع أن تُفرِّق ما بين الحزم والليونة، فتكون حازمةً تجاه أطفالها الصغار، وتتمسّك بمبادئها ولا تتخلّى أبداً عن التربية. مثلاً، لا تغيّر أبداً مواعيد النوم أو وقت الإستحمام أو نوع الطعام الذي تقدّمه لطفلها، حتّى إنها لا تتهاون مع متطلّبات طفلها، فهي تشتري له حاجياته فقط وليس ما يرغب بشرائه.

وطفل الأم الحازمة يكون عادةً منضبطاً جداً، وملتزماً بكل واجباته، كما لا يتهاون تجاه أدائه العملي (في المدرسة أو الجامعة). وعلى الصعيد الشخصي، يكون قادراً على اتّخاذ القرارات بشكل سليم في حياته العملية والشخصية أيضاً.

ثانياً، طباع الأم التي تعاني من القلق المفرط. تخاف هذه الأم كثيراً على طفلها، وحتّى لو أصبح راشداً، تُعامله كطفل لأنها تخاف عليه. يظهر هذا القلق، بعد الولادة أي في الأيام الأولى من حياة الطفل، ولا يتقلّص مع مرور الوقت، بل بالعكس يكبر ويتوسّع حتّى تصبحَ الأمُ شخصاً قلقاً، تخاف على طفلها من كل شيء: إذا حمله أحدٌ غيرها، خلال لعبه مع أطفال آخرين… ويزداد خوفها عندما يذهب الطفل إلى الحضانة ولاحقاً إلى المدرسة فينسلخ عنها.

والطفل الذي تربّى على يدي أمّ قلقة، يكتسب «القلق» منها عادةً، ويشعر بالخوف مثلها، ويكون غيرَ قادر على اتّخاذ قرارات بسهولة، ولكنه يكون شخصاً هادئاً ويحبّ إكتشافَ الأشياء دون أن يضع نفسه في مواقف مقلقة.

ثالثاً، طباع الأم المُدَلِلة. هي أمّ تُعبّر عن إهتمامها وحبّها لطفلها بشكل مبالغ به وتجيب على كلّ إحتياجاته وتحقّق كلّ رغباته. لا يمكنها أن توجّه للطفل أيَّ ملاحظة أو أيَّ توبيخ، خشيةً من أن يشعر بالحزن. عادةً ترافق هذه الأم طفلها حتّى عمر متقدّم ولا تستطيع أن تفترق عنه ما يجعله شخصاً معتمداً على الآخرين وغير قادر على تحمّل أيّ مسؤولية.

رابعاً، طباع الأمّ العصبية. تتميّز هذه الأم بالإندفاعية وتثور لأتفه الأسباب كما تُعرف بفرط حركاتها وتساؤلاتها وأخطائها… هي تميل إلى الصراخ كأسلوب للتعامل مع طفلها. ولكن لا يمكن أن ننكر بأنها أمّ عطوف جداً وعندما تهدأ، تصبح ممتازة وحنونة، على رغم تنشئتها لأبناء وبنات ذوي طبع عصبي، يصعب التعامل معهم.

وطبعاً، كل أمّ مهما كانت طباعها وتصرّفاتها، هي أم، تحبّ ألف مرة ولا تكره مرّة واحدة لأنّ قلبها صُنِعَ فقط ليُحِبّ.