IMLebanon

قلق غربي على مستقبل بيروت: فجوة تباعد بين اللبنانيين في “كل شيء”

خلال جولاتهم الدورية على المسؤولين اللبنانيين وعلى القوى السياسية المحلية والاقطاب البارزين في الداخل، يلمس الدبلوماسيون الاجانب تفاوتا واضحا في الخطاب الذي يسمعون من هؤلاء. واذا كان اختلاف وجهات النظر في الملفات اليومية امرا طبيعيا في الدول الديمقراطية ومألوفا لدى السفراء الاجانب، فإن الفجوة التي يرون في مقاربة اللبنانيين للقضايا الوطنية والجوهرية الكبرى تتركهم في حيرة لا بل تخلق فيهم نقزة وقلقا إزاء المستقبل الذي يتجه اليه بلدٌ لا يلتقي فيه أهله على شيء !

وبحسب ما تقول اوساط دبلوماسية غربية، لـ”المركزية”، فإن اللبنانيين منقسمون على أنفسهم عموديا في النظر الى كل الملفات الاساسية، وعلى رأسها كيفية الوصول الى دولة قوية لناحية حصرية السلاح في يد جيشها او حق بعض الفئات بالحفاظ على سلاحها لمواجهة اي اعتداء اسرائيلي. هذا ناهيك باختلافهم في قراءة تاريخهم منذ ما قبل الاستقلال مرورا بالحرب الاهلية، وفي قراءة حاضر وطنهم ايضا، فبعضهم يتهم الآخر بأنه يعتبر لبنان مجرد ساحة وصندوق بريد ولا يعتبره وطنا نهائيا مستقلا سيدا. اللبنانيون، وفق الاوساط، لا يلتقون ايضا عند رؤية واحدة لعلاقات لبنان مع جيرانه اولا، ومع محيطه العربي ثانيا.

لكن الاخطر هو ان لكل منهم تفسيره الخاص للدستور اللبناني. وهذه الازدواجية حالت مرارا وتحول دون إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها. وقد تركت البلاد من دون رئيس جمهورية لأكثر من عامين، وهي اليوم تمنع تشكيل حكومة منذ ايار الماضي.

هذا الواقع غير المطمئن، تعزوه الاوساط الى رغبة باطنية لدى أطراف داخليين بالانقلاب على المعادلات والقوانين التي ارساها اتفاق الطائف، وفرض أخرى تعكس في شكل أفضل تفوّق الفئة المعنيّة، سياسيا وديموغرافيا وعسكريا، على المكونات اللبنانية الاخرى. الا ان الاوساط تقول ايضا ان التخبط الحاصل يُعدّ نتيجة لتقديم بعض القوى اللبنانية، ولاءها للخارج، عقائديا وماليا وسياسيا وايديولوجيا واستراتيجيا، على ولائها للبنان وبالتالي على مصالح اللبنانيين.

الاوساط تشكو ايضا من استسهال اللبنانيين كسر التزاماتهم الدولية. ففيما تعهّدوا باعتماد سياسة النأي بالنفس وبالوقوف تحت سقف القرارات الدولية وأبرزها الـ1701، وقد أعلنت القوى السياسية كلّها المنضوية في حكومة “استعادة الثقة” (حكومة تصريف الاعمال راهنا) تقيّدها هذه المبادئ، لم يتردد “حزب الله” في “لحس” توقيعه على هذا التعهد، حيث واصل امينه العام السيد حسن نصرالله تصويبه على الدول العربية والخليجية وأكد استمرار قتال عناصره في سوريا الى ان تنتفي الحاجة، كما أعلن ان ترسانته الصاروخية كبرت وأنه قادر على إلحاق هزيمة مدوية بتل ابيب اذا وقعت مواجهة بين الطرفين.

وبعد سرد هذه المعطيات، تشير الاوساط الى ان وضع حد للتباينات اللبنانية الكبرى امر ضروري لمستقبل لبنان، كما ان وقف “اللعب على حبلين” مع المجتمع الدولي أكثر من ملحّ، والا ستفقد بيروت تدريجيا المظلة الخارجية التي تتمتع بها راهنا والمكانة التي تحظى بها لدى العواصم العربية والغربية ايضا، وقد بدأت ملامح “العتب” الدولي تظهر تباعا، وكانت واضحة في اللقاءات “الهزيلة” التي لحظتها أجندة الوفد اللبناني في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة، في ايلول الماضي. فهل يستلحق لبنان نفسه ويتدارك الامر قبل فوات الاوان؟