IMLebanon

“المناقصات” بعد طعن الدستوري: ممرّ إلزامي لتلزيم الكهرباء

كتب أسعد بشارة في صحيفة “الجمهورية”:

بإلغائه الفقرة الإشكالية في قانون الكهرباء يكون المجلس الدستوري، قد أبطل لغماً كبيراً كان معَداً له أن ينفجر على شكل مناقصات لتلزيم معامل للكهرباء بالطريقة نفسها التي لزمت فيها بواخر إنتاج الكهرباء، أي التفافاً على قانون المحاسبة العمومية، وعلى إدارة المناقصات التي رفضت تلزيم البواخر مرتين، لتعود الحكومة الى تبنّي هذا التلزيم بعد رفع المسؤولية عن هيئات الرقابة، وتحمل مسؤولية كلفة البواخر وما تبعها من سجالات. ماذا يمكن أن يحصل لخطة الكهرباء بعد إلغاء هذه الفقرة المهمة من القانون؟

لعل الاشارة الأبرز تمثلت بموقف الوزير جبران باسيل الذي تهكّم على المجلس الدستوري متحدّياً إياه أن يأتي بالكهرباء، وهذه سابقة لم تشهدها الحياة السياسية، إذ المفروض بمَن يتحمّل مسؤولية القطاع أن يؤمّن الكهرباء ضمن ما يسمح له القانون. اما الاشارة الثانية فهي التي عبّرت عنها وزيرة الطاقة ندى بستاني التي أسفت لأنّ ما حصل سيؤدي الى العودة الى القانون القديم، وهنا يُطرح سؤال عن معادلة جديدة وهي تقادم القوانين، وهي معادلة هجينة، فالقانون يُطبّق أو يُعدّل، ولكن لا يتقادم، ومجلس الوزراء والإدارات ملزمة بتطبيق القانون بلا استثناءات.

بالعودة الى المجلس الدستوري وأهمية قراره، فقد تميّز بجرأته في إبطال الفقرة اللغم في القانون الرقم 129/2019 الصادر عن المجلس النيابي في 30 نيسان 2019 والمنشور في التاريخ نفسه في ملحق العدد 23 من «الجريدة الرسمية».

وردّت هذه الفقرة اللغم بإصرار غير مسبوق على إمرارها من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب من مجموعة باتت تصحّ تسميتها بمجموعة الإنقلاب على القوانين، فنصت المادة الثانية من القانون الرقم 129 تاريخ 30 نيسان 2019 قبل الإبطال على الآتي:

« تُلزّم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة اللبنانية بعد فترة زمنية، بشروط تحدد تفاصيلها الإدارية والتقنية والمالية الكاملة في دفتر شروط خاص تعدّه وزارة الطاقة والمياه».
« يستثنى في مراحل إتمام المناقصات تطبيق أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها..»
والمقصود تحديدًا نظام المناقصات الصادر في المرسوم التنظيمي 2866/59 بأصول التلزيم للمناقصة، باستثناء تلك التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها، في مراحل إتمام المناقصات لجهة عقود شراء الطاقة IPPA.

كان معلوماً أن الدافع من وراء الإصرار على وضع هذا الإستثناء الذي لا يوجد ما يبرره في نظر أهل الخبرة والإختصاص ورجال القانون، هو إعطاء الوزارة المعنية هامشاً كبيراً للتفلّت من ضوابط قانون المحاسبة العمومية ورقابة إدارة المناقصات، وكأنّ المقصود أنّ أيَّ تعديل أو ملاحظة ستضعها إدارة المناقصات في دفتر الشروط الخاص بالصفقة لتأمين التنافس والمساواة والعلنية وضمان حقوق الدولة المالية عملاً بموجباتها القانونية، ستتمّ مواجهتها بالتلزيم.

وبدا من الواضح أنّ ما تطرحه إدارة المناقصات (وما قامت به سابقاً) لا يأتلف مع طبيعة الصفقة، وفشل من تولّى محاولة إمرارها بفرض معادلة خرق القانون مقابل تسويق «المصلحة العامة» الذي رسمت حوله علامات استفهام كثيرة، خصوصاً بعد رفض إدارة المناقصات للصفقات السابقة وتحديداً في الصفقات التي سُمّيت استدراج عروض بواخر الطاقة.

لقد وجّه المجلس الدستوري ضربة موجعة الى ثغرة كبرى في القانون، إذ أبطل الإستثناء اللغم وأصبحت الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون الرقم 129 تاريخ 30 نيسان 2019 على الشكل الآتي:

«تطبَّق أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم للمناقصة».

وهو ما يشبه إنقلابَ السحر على الساحر، فبعد الإبطال باتت المناقصات بكل مراحلها ودقائقها وتفاصيلها ودفتر شروطها ومشروع عقدها وكل ما يتعلق به من ناحية صفوف الدولة اللبنانية في قبضة قانون المحاسبة العمومية وتحت التدقيق الكامل لإدارة المناقصات.

ويبقى السؤال: هل سيتم الانقلاب على قانون المحاسبة العمومية بذريعة أنه وضع في العام 1963 وعلى نظام المناقصات بحجة أنه وضع في العام 1959، بتطبيق هذه القوانين التي وضعت لتطبق ويعمل بها عملاً بسيادة القانون؟

يمكن رسم السيناريو الآتي بعد هذا الإبطال: اما تخضع المناقصات لقانون المحاسبة العمومية، وهو خضوع مفروض بالقانون، او العودة الى اسلوب إمرار المناقصات عبر مجلس الوزراء مثلما حصل في موضوع البواخر، والواضح أنّ ادارة المناقصات ستتشدد في مراقبة تلزيم المعامل مثلما تشددت في رفض تلزيم البواخر، فهل ستؤمّن وزيرة الطاقة توافقاً سياسياً للتلزيم في مجلس الوزراء، أم أنها ستحتكم الى الهيئات الرقابية؟