IMLebanon

حرب إسرائيل تبتلع غزة وتصل إلى لبنان

كتب منير الربيع في “المدن”:

تثبت التجارب التاريخية في المنطقة العربية، أن ما تعجز عنه اسرائيل في الحروب العسكرية، تعمل على إنجازه وتحقيقه بالمسارات السياسية أو المفاوضات الدولية التي ترعاها أو تحميها، أو بالنجاح في جعل الدول العدوة أو الخصمة تغرق في أزمات اقتتال داخلي أو أزمات اقتصادية واجتماعية.

يمكن لهذا المسار أن يتضح في مرحلة ما بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، وبعد حرب العام 1967، وصولاً إلى حرب العام 1973. وهي الحرب التي تعرضت فيها اسرائيل إلى هزيمة عسكرية، وتعبت كثيراً مع الإدارة الأميركية في حينها لتوفير جسر جوي داعم لها، ساندها في إعادة تعزيز وضعيتها العسكرية والسياسية.

صحيح أن إسرائيل كادت تخسر الحرب عام 1973، حين تقدم جيشان عربيان وتجاوزا المناطق التي كانت تحتلها وتسيطر عليها، قبل أن تشن هجوماً مضاداً مدعوماً أميركياً، إلا أنها لاحقاً واستناداً إلى النتائج العسكرية وعلاقاتها الدولية وقوة هذه العلاقات، نجحت في إرساء طريق السلام مع مصر والأردن، وأرست نوعاً من التقاطع مع النظام السوري استمر من العام 1973 إلى العام 1982.

صراعات وانهيارات
في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر الثمانينيات، خضعت اسرائيل لضغوط هائلة شعبية ودولية، أفضت بها إلى قبول مسار التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكان حينها مؤتمر مدريد للسلام وصولاً إلى اتفاق أوسلو، الذي تم الانقلاب عليه، بعد اغتيال اسحاق رابين. وعملت على توسيع سياسة الاستيطان والسعي إلى خلق شقاق فلسطيني-فلسطيني كانت أبرز تجلياته ما بين العامين 2005 و2007 خصوصاً بعد انسحابها من قطاع غزة، وإغراق فتح وحماس في صراع دموي وسياسي لا يزال مستمراً إلى اليوم.

في العام 2006 خسرت اسرائيل حربها العسكرية ضد لبنان، ولكن فيما بعد خسر لبنان كل مقومات قوته، بالنظر إلى الصراعات السياسية والانقسام والاقتتال الداخلي، وصولاً إلى 7 أيار 2008، وما بعدها بسنوات الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي، وخسارة لبنان لكل مقوماته ومرتكزاته.

بين غزة ولبنان
النتيجة المباشرة لعملية طوفان الأقصى، كانت هزيمة استراتيجية وتاريخية لإسرائيل، أشعرت الإسرائيليين بالخطر الوجوديز وعلى هذا الأساس حاولت استعادة عطف ودعم دوليين، بالإضافة إلى القيام بعملية عسكرية انتقامية واسعة، يمكن تقسيمها واقعياً إلى قسمين. القسم الأول ما أعلنته إسرائيل وهو تدمير حركة حماس سياسياً وعسكرياً، والثاني هو السيطرة السياسية والأمنية على قطاع غزة وتهجير سكانه.

لم تنجح تل أبيب في تحقيق ما تريده عسكرياً، فيما تمعن بالتدمير والتهجير. ولا تزال تصر على إخراج الفلسطينيين من القطاع من خلال محاولة حشرهم في الجنوب. كما أنها تستمر بالتلويح بالتصعيد ضد حزب الله في لبنان، والذي تشير التصريحات الإسرائيلية إلى أنه سيتم كف العمليات العسكرية للحزب ودفعه إلى التراجع عن الحدود، إما باتفاق سياسي أو بمعركة عسكرية. بالنظر إلى المعارك العسكرية، فالأكيد أن لا هدف على المدى القصير يمكن للإسرائيليين تحقيقه لا في غزة ولا في لبنان.

تواصل اسرائيل عملياتها العسكرية على وقع أزمات داخلية وخارجية، وتغيّر بالرأي العام العالمي، فيما آخر استطلاعات الرأي التي حصلت في فلسطين والسعودية، تحمل مؤشرات كثيرة، خصوصاً حول مدى رفض الوحشية الإسرائيلية، والتضامن مع حق الشعب الفلسطيني، أو تأييد البعض لما قامت به حركة حماس، في مقابل محاولة الفصل بين الفلسطينيين وحقوقهم وحركة حماس. وهذه مؤشرات لا بد من أخذها بعين الإعتبار بالنسبة إلى المواقف السياسية العربية.

الجبهة اللبنانية
هذه المواقف ستدفع اسرائيل إلى تغيير آلية خوضها للمعركة. وبما أن الموقف العربي واضح في رفض التهجير، إلا أن الترانسفير بالنسبة إلى اسرائيل لا يزال مشروعاً حقيقياً وجدّياً. ولكن ما تعجز عن تحقيقه في الحرب، لن تتمكن من تحقيقه بالسياسة هذه المرة، بغض النظر عن محاولاتها تحويل مسار الحرب من العمليات البرية العنيفة المشهودة حالياً، والانتقال إلى مرحلة ثالثة يشبها البعض في اسرائيل بأنها عمليات نوعية وعمليات اغتيال، بالإضافة إلى الاستمرار في مشروع التهجير.

هنا لا بد للسياسة أو المساعي الديبلوماسية أن تكون العنصر الأبرز بالتحكم في مسارات الأمور وتطوراتها.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال تطورات الوضع على الجبهة اللبنانية، في ظل الإصرار الإسرائيلي على التصعيد. وطالما أن مفاوضات الوصول الى تسوية سياسية تتراجع في ظل رفض الحزب لكل الشروط الإسرائيلية، ما من شأنه أن يحرج تل أبيب أكثر، وقد يضعها في مكان لا بد لها فيه من السعي إلى تحقيق أهداف عسكرية، طالما المسارات السياسية تثبت فشلها. وبالتالي، هي قد تلجأ إلى تنفيذ أي عملية من شأنها تحقيق أي مكسب سياسي.
مجدداً، فإن تعثر المسار العسكري في غزة، وإطالة أمد المسار السياسي قد يدفع اسرائيل للهرب نحو الجبهة اللبنانية، في ظل إيصال المزيد من رسائل التهديد والتحذير، واعتبار أن القرار 1701 لم يلب تطلعاتها ولم يكرس الأمن والاستقرار. لا بل هناك أصوات اسرائيلية تعتبر أن القرار 1701 كان فخاً ولا يمكن الوقوع به مجدداً.