IMLebanon

المواقف السياسيّة الداعمة للجيش لا معنى لها ما دامت موازنته تكاد تكفي رواتب أفراده

أسلحة أميركية وصلت إلى لبنان في الـ 48 ساعة الماضية وفرنسية في الطريق

المواقف السياسيّة الداعمة للجيش لا معنى لها ما دامت موازنته تكاد تكفي رواتب أفراده 

مسار الأحداث في عرسال رهن التطوّرات الميدانية في القلمون

صحيح أن الموقف الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية شكّل إشارة واضحة على أن هناك إجماعا وطنيا منقطع النظير حول الجيش اللبناني في المعركة التي يخوضها ضد الإرهاب، وصحيح أن مختلف القوى السياسية والحزبية والتيارات الدينية أعلنت تضامنها الكامل مع المؤسسة العسكرية وانحازت الى جانب تقديم الدعم ويد العون لها، وصحيح أن الإعلام بثلاثيته المرئي والمسموع والمكتوب اتخذ كل الاجراءات الآيلة الى مواكبة التطورات الميدانية بعيداً عن أي عمل من شأنه أن يؤذي الجيش في هذه المعركة، لا بل إنه كرّس مساحات واسعة خدمة لهذه المؤسسة، غير أن كل ذلك لن يكون كافياً ما لم يكن مقروناً بقرارات صارمة وإجراءات فورية تؤدي الى تقديم الدعم بكل أنواعه الى هذا الجيش الذي تحمّل ما تحمّل طيلة عقود من الزمن نتيجة التجاذبات السياسية والاحتقانات المذهبية وتفلّت الشارع، إذ لا يوجد في العالم جيش نظامي يخصّص الآلاف من جنوده لحفظ الأمن في الداخل، حيث وكما هو معروف فإن الجيوش عادة ما كانت مهمتها محصورة على الحدود وعلى الحدود فقط وهي إن حكمت عليها الظروف بالنزول الى الشارع فيكون ذلك بفعل تطورات خطيرة تتهدّد سيادة واستقرار وأمن البلد.

إن مجريات الأحداث منذ عدة سنوات تؤكد بأن التعاطي السياسي مع المؤسسة العسكرية لم يكن على المستوى المطلوب، إذ عادة ما تبقى مواقف الدعم والإشادة بالجيش حبراً على ورق من دون أي إجراءات فورية وأن ما يقدّم لهذا الجيش يبقى دون المستوى نظراً لحجم المهمات الملقاة على عاتقه، خصوصاً وأنها مهمات صعبة وخطيرة بالنظر الى التركيبة السياسة والطائفية والمذهبية التي تتحكم بالنظام في لبنان، وفي هذا المجال يُشهد للمؤسسة العسكرية أنها الوحيدة التي حافظت على صيغة العيش المشترك وتكريس الوحدة الوطنية والنأي عن التجاذبات السياسية والمماحكات المذهبية.

إن مسار الأحداث في المنطقة، وما حصل ولا يزال في عرسال يفرض على المسؤولين اللبنانيين إعادة النظر في التعاطي مع الجيش، وأن يجعلوا دعم وإسناد هذا الجيش من الأولويات، إذ لا يجوز أن تُهدر أموال بملايين الدولارات على دراسات ومشاريع ومؤتمرات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، في حين أن موازنة المؤسسة العسكرية تكاد لا تكفي لدفع الرواتب فما بالك بالسلاح والأعتدة التي يحتاجها حتى في الظروف العادية لا الاستثنائية.

إن ما يجري في عرسال يجب أن يكون حافزاً لدى المسؤولين لوضع خارطة طريق حول كيفية التعاطي مع المؤسسة العسكرية التي في ما يبدو ينتظرها مهمات كبيرة وخطيرة في ظل الظروف القائمة في المنطقة، إذ أن لبنان غير معزول عنها، فهو ليس في جزيرة بل على تماس مباشر مع هذه الأحداث من فلسطين مروراً بسوريع وصولاً الى العراق.

وفي هذا المجال تؤكد مصادر وزارية أن تقديم الدعم بشتى السبل الى المؤسسة العسكرية وُضع على مشرحة النقاش والبحث مع بعض الدول المعنية، وأن الاتصالات التي جرت في غضون الـ 48 ساعة الماضية أثمرت عن تسريع وصول مساعدات عسكرية أميركية متنوعة للجيش اللبناني، كانت في طريقها الى الجيش أساساً، لكن ما حصل في عرسال عدّل في مسألة التوقيت وأدّى الى وصول هذه المساعدات قبل أوانها بكثير. وهذا الأمر نفسه تكرّر مع المسؤولين الفرنسيين الذين سارعوا بدورهم الى تقديم المساعدة حيث يُفترض أن يصل في الأيام القليلة المقبلة الحاجات العسكرية الضرورية التي طلبها لبنان كجزء من مشروع المكرمة السعودية للبنان والبالغة 3 مليارات دولار مخصّصة لدعم الجيش.

وفي هذا الخصوص كان لافتاً ما أعلنه مساعد الناطق باسم الخارجية الفرنسية فنسان فلورياني عن التزام بلاده الكامل بدعم الجيش اللبناني ليتمكّن من تثبيت الاستقرار في لبنان، مؤكداً التواصل الوثيق بين المسؤولين الفرنسيين وشركائهم اللبنانيين لتلبية احتياجات لبنان في أسرع وقت.

إن هذا الكلام دلالة واضحة بأن باريس قررت في ضوء التطورات المتسارعة والتي في نظرها باتت تهدد استقرار وسيادة لبنان أن تترجم أقوالها الى أفعال من خلال مواكبة الدعم السياسي للبنان بإجراءات عملانية ترمي الى تقديم ما يلزم للقوى الأمنية في لبنان للحفاظ على الأمن والاستقرار والحؤول دون المسّ بالسيادة اللبنانية.

وتلفت المصادر الوزارية الى أن الاتصالات مفتوحة بين المسؤولين في لبنان وبعض الدول المعنية بملف تسليح الجيش وأن هذه الاتصالات وصلت الى مرحلة متقدمة في إطار محاولة الإسراع في إيصال المساعدات المطلوبة الى المؤسسة العسكرية لتمكينها من القيام بواجبها الوطني، وهي اتصالات ستتواصل في الأيام المقبلة وربما تتسع دائرتها وفق ما تقتضيه الظروف، مشددة على أن المطالبة بدعم دولي للجيش يجب أن تترافق مع حصول مظلة سياسية له، إذ أن ما يجري الآن لا يستهد فالجيش كمؤسسة عسكرية بل يستهدف كل لبنان، وما دام الجيش يدافع عن كل لبنان يجب أن يقف خلفه كل لبنان بكل أطيافه السياسية والطائفية والمذهبية على اعتباره خشبة الخلاص الذي من خلالها يعبر لبنان الى شاطئ الأمان.

وفي اعتقاد المصادر أن الوضع في عرسال مفتوح على مصراعيه وهو خطير للغاية، ومن المخاوف التي تنتاب المسؤولين في لبنان أن تكون عرسال منطلقاً لأعمال إرهابية في مناطق مختلفة، مشيرة الى أن مسار الأحداث في عرسال يتوقف على تطوّر الوضع في القلمون.

وكشفت المصادر في هذا المجال عن قرارات سرية اتخذها مجلس الأمن المركزي من شأنها أن تُحبط أي محاولات مماثلة في مناطق أخرى.