IMLebanon

عندما تعجز الطبقة السياسية عن إنتخاب رئيس

أن يعترف رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنّ «الطبقة السياسية، وأنا منها» تتحمّل المسؤولية عن عدم إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن، ففي ذلك تأكيد أنّ هذه الطبقة في إمكانها ان تنجز هذا الاستحقاق ولكنها تُحجِم متذرّعة بالمعوقات الخارجية وانتظار التسويات والتوافقات الاقليمية والدولية.

بري: الطبقة السياسية وأنا منها تتحمّل مسؤولية عدم انتخاب رئيس حتى الآن

كان الرئيس بري اوّل مَن نادى بـ«لبننة» الاستحقاق الرئاسي داعياً الطبقة السياسية بكلّ مستوياتها الى اغتنام فرصة انشغال الخارج القريب والبعيد بشؤونه وشؤون أُخرى، والشروع في انتخاب رئيس جمهورية جديد يكون فعلاً رئيساً «صنع في لبنان» بامتياز، وكذلك الشروع في اتخاذ قرارات كبيرة على المستوى الوطني يثبت من خلالها اللبنانيون انهم قادرون على ممارسة سيادتهم على انفسهم وعلى بلادهم بمعزل عن الارادات الخارجية التي تعوّدت منذ الاستقلال عام 1943 وحتى الآن على التدخّل في شؤونهم الداخلية والخارجية وتسييرها وفق أهوائها ومصالحها على حساب مصالح لبنان وشعبه.

ويقول قطب سياسي انّ من اسباب عجز الطبقة السياسية عن معالجة الاستحقاقات الاختلاف بين المشاريع السياسية لأركانها وأطرافها، فضلاً عن ارتباطاتها الخارجية، فبدلاً من الفصل بين هذه المشاريع وبين المصالح الوطنية، يتمّ الربط بينها وبين المصالح الخارجية على حساب المصالح الوطنية، الى درجة انّ بعض الافرقاء السياسيين باتوا يعتبرون انّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية بات غير ذي موضوع في هذه المرحلة، وان لا ضَير من تأخير هذا الاستحقاق وإبقاء البلاد «جسداً بلا رأس» حسب قول بري والبطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، الى حين تبلور نتائج المعارك السياسية وغير السياسية التي يخوضها هذا المحور الاقليمي – الدولي أو ذاك هنا وهناك وهنالك في المنطقة وخارجها…

ويرى هذا القطب أنه كان ينبغي على الطبقة السياسية ان تنتخب رئيس الجمهورية في موعده الدستوري قبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 24 أيار الماضي، ولكن تحت وطأة تداعيات الازمة السورية وتعرّض البلاد لاهتزازات أمنية وتفجيرات وبروز بعض الاستحقاقات الاقليمية والدولية، راح بعض أطراف هذه الطبقة، إن لم يكن جميعهم، يراهن على متغيّرات خارجية من المفترض انها ستأتي في مصلحته،

بما يمكّنه من النفاذ برئيس جمهورية موال له، او على الاقل تكون له دالّة عليه ويلبّي مصالحه السياسية وتطلعاته المستقبلية، متناسياً انّ ايّ فريق في لبنان لا يمكنه ان يفرض مشيئته على الآخر، سواء كانت هذه المشيئة رئيساً أو سلطة أو غيرها، وكانت النتيجة انّ البلد ما يزال بلا رأس، وانّ هذه الطبقة السياسية تنتظر توافقاً سعودياً – ايرانياً جديداً ينعكس «برداً وسلاماً» جديدين على لبنان يترجم بانتخاب رئيس جديد مثل ذلك التوافق المماثل الذي حصل بين البلدين قبل أشهر، وسهّل ولادة حكومة الرئيس تمام سلام بعد تعثّر دام نحو عشرة اشهر.

وقد لاحَت فرصة لحصول مثل هذا التوافق قبل اسابيع، ولكن تفجّر الازمة العراقية أخيراً قَلَب ظهر المجن في المنطقة عموماً، وبين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية خصوصاً، حيث أحدث شرخاً كبيراً في العلاقة بين الرياض وطهران، بعدما كانتا قاب قوسين او أدنى من انطلاق مفاوضات بينهما من شأنها ان تنعكس بنتائجها ايجاباً على مجمل الاوضاع في العالمين العربي والاسلامي، وأولى هذه النتائج إطفاء الفتنة المذهبية بين المسلمين، نظراً لِما لهذين البلدين الكبيرين من تأثير على الصعيدين العربي والإسلامي.

وفي الوقت الذي عادت «داعش» لتهدّد وتتوعد من داخل لبنان وخارجه محرّكة خلاياها «النائمة» و»الصاحية» فيه، لم يظهر انّ الطبقة السياسية قد تحسّست بعد المخاطر التي يمكن ان تنجم عن هذا الامر، ولم تقتنع بعد بأنّ انتخاب رئيس جمهورية وتفعيل المؤسسات الدستورية بما يعزّز عمل بقية المؤسسات من شأنه عملياً ان يحصّن لبنان في مواجهة تلك المخاطر.

وفي اعتقاد القطب السياسي إيّاه انّ التطورات العراقية ستؤخر انتخاب الرئيس الجديد أكثر فأكثر، فيما المطلوب ان تشكّل حافزاً على انجاز هذا الامر. وفي هذا السياق يقول احد السياسيين انّ الازمة العراقية ستشكّل عاجلاً أم آجلاً جاذب الحلول لكلّ أزمات المنطقة.

والى ذلك يؤكد مصدر ديبلوماسي انّ هناك مخاوف جدية من تحركات وعمليات إرهابية يمكن أن تنفذها التنظيمات المتطرفة في لبنان، انطلاقاً من منطقة الشمال، ويشير الى انّ الدوائر الديبلوماسية المختلفة تولي اهتماماً كبيراً لهذا الامر، على رغم التشديد الدولي الدائم على ضرورة صَون الاستقرار اللبناني.

وفي سياق متصِل يدعو ديبلوماسي عربي كبير في بيروت الى وضع آلية عملية تحلّ بموجبها كلّ الأزمات والخلافات في لبنان والمنطقة، أو على الاقل، وضع آلية لإدارة هذه الازمات الى حين توافر الظروف الملائمة لحلّها.