IMLebanon

«التغريدات» تهزّ المشهد الرئاسي… والمستقبل: السعودية لا تتدخّل

كلّ الأنظار الداخلية كانت مشدودة صوب «بيت الوسط» ترقّباً لِما قد يصدر عن الرئيس سعد الحريري حول تحديد خياره النهائي في ما خصّ انتخابات رئاسة الجمهورية، ومسألة ترشيحه النائب ميشال عون. ولكن قبل أن يقول الحريري كلمته المنتظَرة، خرقت تغريدة سعودية المشهدَ الرئاسيّ، وهزّت الوسط السياسي ورسَمت في الأجواء الداخلية سُحباً كثيفة من علامات الاستفهام.

إذا كان مضمون تغريدة القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري في سماء الإستحقاق الرئاسي، والتي جاءت تذكيراً بمواقف للأمير الراحل سعود الفيصل وعواطفه السياسية تجاه الوزير السابق جان عبيد، والقول «إنّ جان عبيد حكيمنا جميعاً وحكيم وزراء الخارجية العرب».

فإنّ التغريدة التوضيحية التي أعقبَتها، حاولت أن تخفّف من وقعِها، وأن تقطع الطريق على محاولات تأويلها وتفسيرها على غير مقصدِها، حيث أوضَح فيها أنّ التغريدة الأولى «كانت في إطار سلسلة من الأقوال المأثورة لسموّ الأمير سعود الفيصل، لا تحتمل الكثير من الاجتهادات».

وذلك قبل أن يتبعها بتغريدة ثالثة بمضمون لافِت، وفيه «إنَّ ما يجمع لبنان بالمملكة هو أكثر من علاقة عاديَّة ، إنَّها علاقة أهل ولقد كان لبنان الوطنَ الثاني للسعوديين».

# رفيق_الحريري». ومن ثمّ أتّبعها بتغريدة رابعة يعلن فيها حذفَ «التغريدة الأولى» بسبب سوء تفسيرها وخروجها عن مقاصدها».

والواضح أنّ التغريدة الأولى قد فعلت فِعلها في الوسط السياسي، وخصوصاً أنّ مضمونها «حمّال أوجُه» واختيرَت كلماته بكلّ عناية واحتراف سياسي. إلّا أنّ الطاقم السياسي بشكل عام يقاربها بوصفِها دخولاً سعودياً غيرَ مباشر على الخط الرئاسي، وأنّ كلماتها المعدودة، ما هي إلّا رسالة واضحة ومدروسة يقتضي التعمّق فيها ومحاولة فكفكة ما تنطوي عليه من ألغاز ودلالات.

وثمَّة سؤال أثيرَ على غير مستوى سياسي، حول الدافع الحقيقي خلفَ إطلاق التغريدة الأولى في هذا التوقيت بالذات، وكذلك عن الغاية من ذلك، وأيّ رسالة تريد المملكة أن توصِلها من خلالها، وإلى مَن؟ وكذلك حول سبب اختيار ما قاله الأمير الراحل بعبَيد حصراً دون غيره، من بين كلّ ما وصَفتها التغريدة الثانية بـ«الأقوال المأثورة» للأمير الفيصل.

ما أربكَ المستويات السياسية أنّ التغريدة الأولى أطلِقت في توقيت سياسيّ ورئاسي شديد الحساسية، وفي ذروة المشاورات الرئاسية التي يجريها الحريري لحسمِ خياره الرئاسي، وكذلك عشية استعداده لحزمِ حقائبه والسفر مجدّداً إلى السعودية.

وجاءت في زمن كثرَ فيه «المنتظرون» على الخط الرئاسي، إنْ من الرابية التي ينتظر فيها عون جواباً نهائياً من الحريري في الآتي من الأيام، أو مِن «بيت الوسط» حيث ينتظر الحريري كلمة الفصل السعودية في الملف الرئاسي ومسألة ترشيح عون، والتي يبدو أنّها لم تصل بعد.

قراءات في التغريدة

في هذا الوقت، كان لافتاً للانتباه ما قالته مصادر في كتلة «المستقبل» لـ»الجمهورية» أنّ السعودية عندما تريد أن تبلّغَ إلى الحريري شيئاً ما، تبلّغه إياه مباشرةً وليس عبر موفدين أو عبر تغريدات، فهكذا هي طبيعة العلاقة بين الحريري والمملكة.

ولا يخفى على أحد الموقف السعودي الواضح بعدمِ التدخّل في الشأن اللبناني، ونقطة على السطر». وأشارت المصادر إلى أنّ مشاورات الحريري يومية ودائمة، وليست مرتبطة ببرنامج زمني محدّد، بغية البحث عن إيجاد حلول لإنهاء الشغور الرئاسي.

وبدا جلياً أنّ الرابية لم تتفاعل لا سلباً ولا إيجاباً مع التغريدة السعودية، وتعكس أجواؤها أنّها خلافاً لكلّ ما يقال، لا تتوقف عند الموقف السعودي الذي هي على بيّنةٍ منه، بل إنّ أكثر ما يهمّها هو موقف الحريري دون غيره.

وقد لقيَت التغريدة السعودية تفسيرات وقراءات متناقضة، بحيث رأى البعض فيها رسالة سعودية الى الحريري برفضِ خياره الجديد ترشيحَ عون، في حين توقّف البعض الآخر عند الشكل قبل المضمون، معتبرين أنّ القائم بالأعمال السعودي لا يتمتّع بهامش كبير لإطلاق تغريدة «شخصية» أو التعليق سياسياً، بل إنه قام عبر تغريدته بإرسال «رسالة سياسية بامتياز».

وأمّا البعض الآخر، فقد قرأ في التغريدة الأولى رأياً شخصياً للبخاري مبنيّاً على كلام للفيصل عن عبَيد، لأنّه كان صديقاً له، إلّا أنّ هذا الرأي لا يعبّر عن رأي المملكة، لا يمثّل توجّهاتها بملف رئاسة الجمهورية.

وبالتالي قد تكون السعودية ترغب أو لا ترغب بوصول عون إلى الرئاسة، لكنّها ترغب بشكل أكيد أن يكون المسيحيون مكوّناً مطمئناً في البيئة العربية والإسلامية. فيما لاحَظ البعض الثالث أنّ التغريدة الأولى للبخاري جاءت غداة عودة موفد النائب وليد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور من الرياض، والذي عاد منها من دون جواب سعودي شافٍ، رأى فيها البعض الآخر أنّها تشكّل الجواب السعودي الثالث؛ فالأوّل عبّر عنه وزير الخارجية عادل الجبير قبل أيام أمام وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت بأنّ الحريري حرّ في خياراته، ومسؤول عن عواقبها. والثاني حينما لم تعطِ المملكة للحريري خلال زيارته الأخيرة الى الرياض جوابَها القاطع، وأمّا الجواب الثالث فتجلّى في نتائج زيارتَي أبو فاعور إلى المملكة.

وفي هذا السياق، أبلغ أبو فاعور نتائج زيارته قبل يومين إلى السعودية إلى كلّ مِن رئيس مجلس النواب نبيه والرئيس الحريري.

وذكرَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ أبو فاعور التقى شخصية سعودية رفيعة المستوى، من دون أن تؤكّد أو تنفي ما إذا كانت هذه الشخصية هي ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وعرض معها التطوّرات في لبنان والمنطقة، خصوصاً تلك المتصلة بالاستحقاق الرئاسي.

وقالت المصادر إنّ تلك الشخصية السعودية أكّدت لأبو فاعور»أنّ المملكة بقيادتها تقف إلى جانب الشعب اللبناني، وهي حريصة على أمنه، كذلك على التوافق بين اللبنانيين، بما يَحفظ وحدةَ لبنان وسيادته واستقراره على كلّ المستويات».

كما أكّدت أنّ «القيادة السعودية التي سجّلت مواقف ثابتة من الوضع في لبنان لن تتدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية» وأنّ على اللبنانيين «العمل سويّاً من أجل التفاهم على الحلول التي يريدونها لسلّة القضايا المطروحة عليهم، من دون أيّ تدخّل خارجي، وهُم مسؤولون عن كافة القرارات التي يتّخذونها».

المفتاح… والقفل

إلى ذلك، وخلافاً للأجواء التي رافقت مشاورات الحريري الاخيرة، وغلّبَت الإيجابيات على السلبيات، صار الكلّ يتحدّث عن تعقيدات وصعوبات. والمفارقة العجيبة أنّ المناخ الذي سبقَ وأشيع وبدا فيه أنّ مفتاح الباب الرئاسي المفقود منذ أيار 2014 قد عُثر عليه وتمّ إدخاله في القفل. عاد مجدّداً إلى المربّع الأوّل وبدا أنّ المفتاح قد ضاع مجدّداً.

فعملياً، انتقلَ كلّ العاملين على الخط الرئاسي إلى خط الانتظار من جديد والذي قد يطول بعض الشيء، خصوصاً وأنّ الكلّ ينتظر الكلّ.

عون ينتظر أن يَحسم الحريري قراره ويعلنَ ترشيحه رسمياً، ما يعني الالتزام به مرشّحاً نهائياً للحريري، وبعدها يبني عون على هذا الترشيح مقتضاه، وبخطوات مكملة لهذا الترشيح قد تقوده إلى عقدِ لقاءات ومشاورات تمهيدية ونسجِ تفاهمات خصوصاً مع بري.

والجدير ذكرُه هنا، أنّ «التيار الوطني الحر»، وضمن سياسة الانفتاح واليد الممدودة، سيبدأ رئيسُه الوزير جبران باسيل جولة على الأحزاب والكتل النيابية، على أن يزور اليوم رئيسَ الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الطاشناق.

إلى ذلك ، نَقل زوّار الرابية لـ«الجمهورية»، أنّها ما زالت على تفاؤلها رغم كلّ شيء، وتنتظر جوابَ الحريري لكي تبني على الشيء مقتضاه ، وهي مستمرّة في نهجها الانفتاحي «لكنّ ذلك لا يعني التنازل عن الحقوق الميثاقية».

وعكسَ الزوّار رفض الرابية ما يقال عن تراجع منسوب التفاؤل في البلاد ، إذ إنّ كلّ الأجواء هي التي توحي بالإيجابية والتفاؤل، وتدلّ على أنّ الامور ستسير نحو الخواتيم السعيدة. ولكن في كلّ الأحوال لا نستطيع البناء على النيّات ولا على التحليلات، بل نتعامل مع الأمور بكلّ واقعية.

ولفتَ هؤلاء الزوّار إلى أنّ الرابية لا تساجل أحداً أو تردّ على أحد، بل هي مطمئنة إلى موقف «حزب الله» الذي وصَفته بـ«الحليف الذي لا يتزَعزع»، مكرّرين أنّ كلّ الأمور رهنُ ردّ الحريري القاطع.

وأمّا الحريري فلا يبدو أنّ جوابه لعون الذي ينتظره منذ لقائهما الأخير، وشيكٌ، إذ لكي يتبلور هذا الجواب لا بدّ من انتظار الإشارة أو الأصداء السعودية الإيجابية، والتي لم تبرز أيّ دلائل بأنّها وصَلت أو أنّها قد تصل في المدى المنظور.

فيما قد تشكّل إطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله مساء اليوم، والتي سيحدّد فيها الموقفَ من الرئاسة ومستجدّاتها، إضافةً إلى الملف اليمني، مادةً جديدة قد يبني عليها الحريري المقتضى.

في هذا الوقت، ينتظر بري بدوره مآلَ الأمور، وما قد يستجدّ ويَدفعه مجدداً إلى «التدخّل» في الملف الرئاسي مع تمسّكِه بسلّة التفاهمات التي يَعتبر لا بدّ منها كمعبر إلى رئاسة الجمهوية وما بعدها. والواضح، كما تقول مصادر عاملة على الخط الرئاسي، أنه خلافاً لكلّ الجو التفاؤلي الذي ساد بعضَ المقرّات السياسة باقتراب موعد الحسم الرئاسي وتوليد الرئيس العتيد، ما زال بري يعتقد أنّ الأفق الرئاسي ليس مفتوحاً بعد.