IMLebanon

ما بعد المنطقة العازلة… خريطة الطريق

تساءلت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية حول الدعوة لإقامة المنطقة الآمنة: من أين ستستمدّ المنطقة العازلة في سوريا قوتها؟. تساؤل يفتح أمام المحلّلين السياسيين، مجموعة من الأسئلة حول نيّة إقامة مِثل هذه المناطق في سوريا، في ظلّ ما تشهده المنطقة من صراعات تعمل على إعادة رسمِها من جديد.

إنّ الحرب الدائرة في سوريا، زادت من حالة النزوح المستمر. فمعركة حلب الأخيرة، أدّت إلى وجود أزمة حقيقية في تسارُع حركة النازحين. ما حثَّ الدول للمطالبة بإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية.

لكنّ القيادة الروسيّة، كما السوريّة لا توافق على قيامها، لأنّها تجد فيها خاصرةً رخوة لها داخل البلاد، بسبب تخوّفِهما من جعلِ هذه المنطقة أرضًا جاذبة لإرهابيّي العالم، ما يزيد من تفاقمِ الأزمة.

تعمل القيادة السوريّة بمساعدة حليفَيها الروسي والإيراني، على تعطيل سياسة إقامة منطقة عازلة على أراضيها. لذلك، فالحسم العسكري بالنسبة إليها، وإعادة بسطِ النفوذ على مساحة الوطن، يقطع الطريق أمام الدول التي تسعى لإقامة هكذا مناطق.

عرفت سياسة إقامة المنطقة العازلة، تجاذبات دولية بسبب الاختلاف في وجهات النظر إلى أهدافها. فهي تحمل في خفاياها خريطة طريق تحقّقها الدول بعد تنفيذها. لذلك، نجد:

– النظرة الأميركية، التي تمثّلت في إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من خلال مقابلته مع محطّة «إيه بي سي» في 25 من الشهر الجاري، بأنه سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا لحماية الأشخاص الفارّين من العنف. نظرة تحمل في طيّاتها سياسة تقسيمية للمنطقة. فخريطة الطريق عندها، تبدأ مع إقامة مناطق عازلة في سوريا، على أساسها تقسَّم البلاد إلى دويلات مذهبية منتاحرة، ليتحقّق معها مشروعها الشرق الأوسط الجديد.

– النظرة العربية، الممثَّلة بما أتى على لسان مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية أحمد بن سعيد الرميحي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية «أنّ الدوحة ترحّب بالتصريحات التي أدلى بها ترامب»، مؤكّداً ضرورةَ توفير ملاذات آمنة في سوريا، وفرض مناطق حظر جوّي لضمان أمن المواطنين». فخريطة الطريق عندها، تظهر في سعيها لفرض طوق محكَم على النظام، للإطاحة به، بسبب تجسيده السياسة الإيرانية في المنطقة.

– النظرة التركية، التي أعلن عنها المتحدّث باسم وزارة الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو «أنّ أنقرة تنتظر نتائج تعهّد الرئيس ترامب بإقامة مناطق آمنة في سوريا، مشيراً إلى أنّ تركيا تؤيّد إقامة مِثل هذه المناطق».

فخارطة الطريق تَهدف لإبعاد المليشيات المسلّحة عن حدودها، ووضعِ حدّ للإمدادت، ولتدفّقِ المجنّدين إلى تنظيم الدولة عبر الأراضي التركية. كما تهدف لضربِ وحدات حماية الشعب الكردية داخل سوريا، عبر إبعادها عن الحدود التركية.

بعد مرور أكثر من ستة أعوام على الحرب الدائرة في سوريا، يبدو أنّها تأخذ منحى تصاعديًا. الأمر الذي يزيد من الحاجة لإقامة المنطقة الآمنة، لأنّها ضرورة إنسانية لمن باتوا مشرّدين. لكنّ السؤال يتوقّف على ما وراء إقامة مِثل هذه المناطق عند الدول الداعمة لإقامتها؟ بما تحمل من نظرات مختلفة، تشكّل خريطة طريق، تسعى لتنفيذها.

أخيراً، لن تكون المناطق العازلة في سوريا حلّاً لأزمة النازحين، ولا حلّاً سحرياً لمخاوف تركيا والدول العربية من النار الدائرة على حدودها، ولا لطموحات السياسات الأميركية في المنطقة، ولا حتى لأحلام روسيا وإيران للّعِب في الساحة السورية.

بل جلُّ ما ستحمله رسائل على أكثر من صعيد، ومزيداً مِن التقسيم والتشرذم للشعب السوري، الذي يدفع وحيداً الثمنَ في نهاية هذه الحرب. المنطقة العازلة، لن تكون سوى صندوق بريد يحمل رسائل مزدوجة في الاتجاهات المعاكسة، الأمر الذي سيزيد الأزمة تعقيداً وحِدّةً ونزاعاً.