IMLebanon

مبكرة… وخارج الرَحم

 

 

لا شك في أنّ الياس بو صعب راهن على سذاجة اللبنانيين باقتراحه اجراء انتخابات نيابية مبكرة حلاً للمأزق الرئاسي. وليس استحسان الرئيس بري الفكرة إلا استمراراً لألعاب الخفة التي تخفي الحقائق فيما تمرّر الوقت وتدهش المشاهدين الطيبين.

 

ليست المرّة الأولى التي ينطق فيها بو صعب باسم “الثنائي الشيعي” مسابقاً الشيخ أحمد قبلان على تمرير الرسائل. فهو تساءل “ببراءة” في أوّل جلسة لانتخاب رئيس: وهل ضروري أن يكون مارونياً؟ مع علمه بأن مشكلة حلفائه الممانعين مع طائفة الرئيس أقل مما هي مع انتمائه السيادي، بدليل ترئيسهم ميشال عون بالقوة، ورفعهم اليوم بيرق رئيس “تيار المردة” لمجرد أنه ابن المنظومة الشرعي. وإن نسي فلنذكِّره بأنهم اختاروه نائباً للرئيس ليس لأرثوذكسيته ولا لسواد عينيه، بل لمثل هذه الأيام بالتحديد.

 

اقتراح إجراء انتخابات نيابية مبكرة ممتاز بالنسبة الى أي مراقب أجنبي. فالديموقراطية تصحّح نفسها بنفسها عبر آلياتها وتحتكم مجدداً الى الشعب لمعالجة الإنسداد السياسي. لكن الاقتراح في لبنان، وفي هذا الوقت بالذات، تضليلي بامتياز وسيئ النية بأقل تقدير. وليس الخوف أن تنطلي الحيلة علينا، نحن الذين اختبرنا حبائل المنظومة وقدرتها على تطويع الدستور والمصطلحات وتحويلها خادماً لمنافعها بدل احترام المضامين. بل الخشية أن ترسخ في عقول الناشئة تفسيرات مشوَّهة للمفاهيم العامة والمطلقة. فيصير حق الانتخاب مشروطاً بالتوازنات، والحرية وجهة نظر، والجريمة السياسية جزءاً من حياتنا وعادياتنا.

 

أبسط سؤال يوجّه لبو صعب: هل نتائج الانتخابات هي الحائل دون انتخاب رئيس، أم أن تعطيل النصاب وامتناع بري عن فتح الجلسات هما السبب؟

 

ولو افترضنا أن بو صعب وبري لا يريدان باقتراحهما المفاجئ لا ابتزاز جبران باسيل بامتحان شعبيته المتناقصة عند المسيحيين وبحرمانه من “ودائع” الصوت الشيعي، ولا اطلاق قنابل الدخان في الوقت الرئاسي الضائع، فإنهما يراهنان إذن على انتخابات فعلية تأتي للممانعة بأكثرية طابشة. وهذا ممكن في زمن المناورات العسكرية، والتفاخر باقتصاد “الكاش الحسن”، وثبوت “التقاطع” في جلسة 14حزيران بين مافيا المال العابرة للطوائف وبين السلاح المتمدد بقوة الأمر الواقع.

 

ما تقدم لا يدفع الى الاكتفاء بإجهاض فكرة الانتخابات المبكرة التي حبل بها بو صعب في عين التينة وخارج رحم الديموقراطية، بل الى التساؤل أيضاً عن جدوى الانتخابات النيابية أساساً ما دام التوافق العشائري شرطاً مسبقاً لأي استحقاق دستوري، وطالما أنها تجرى في ظل دولة لا سيادة لها على كل أراضيها، ونتائجها لا تحترم. وهو ليس استنتاجاً نابعاً من الممارسة الأخيرة ورفع الجلسات بعشوائية واستعلاء، بل من تجارب إحباط انتصار 14 آذار في دورتي 2005 و2009 النيابيتين، وما تلى ذلك من أحداث.

 

اقتراح بو صعب يفضح إصرار “الثنائي” وحلفائه على ممارسة الهيمنة، أو شلّ المؤسسات الدستورية بالاستناد الى ميزان قوى لا علاقة له بأصوات الناخبين واختياراتهم. وهو واقع يعطي حجة قوية للقائلين بعجز الصيغة الحالية عن احترام حقوق الأفراد والجماعات، والداعين الى بحث جدي يبارك للراضين بهذا المنحى حرّية التمتع بديموقراطيتهم الخاصة، شرط أن يرفعوا أيديهم عن أكثرية اللبنانيين.