IMLebanon

«الله»- طرابلس هو نفسه «يسوع الملك»- جونيه!

إذا كانت إزالة الشعارات تكاد توصل إلى الفتنة، فهل لأحد أن يفكر في إزالة السلاح مثلاً؟ في أيّ حال، لولا القوى الخارجية- وإن كانت رأس العلَّة- لربما إندلعت الحرب الأهلية مجدّداً وأكلت كلّ شيء، بما في ذلك عبارات لفظ الجلالة المرفوعة وتماثيل يسوع الملك…

لا يستطيع الحوار السنّي- الشيعي أن يستمرّ ما لم تكن هناك مادة على الطاولة. ولأنّ شيئاً جوهرياً لن يحققه هذا الحوار، فهو «فشَّ خلقه» بالشعارات والصور… وكأنها هي جوهر المشكلة!

لم يقم أحد بتفجير سيارة بواسطة صورة لزعيمه. ولم يتمكن أحد من الإحتماء وراء لافتة معلّقة وإستخدامها كمتراس. وأما لفظ الجلالة في طرابلس، فلم يكن يوماً سبب الفلتان الأمني.

وأكثر من ذلك، لا تقود الصور والشعارات المرفوعة في الأحياء الداخلية إلى أيّ إستفزاز حقيقي، لأنّ البلد مقسَّم واقعياً، أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً ونفسياً في شكلٍ واضح. فلا أحدَ يستغرب صور «حزب الله» وشعاراته المرفوعة في الضاحية مثلاً، لأنها في بيته. كما أنّ أحداً لا يستغرب الشعارات المرفوعة في طرابلس أو سواها.

ولذلك، ليست المشكلة في الصور والشعارات، وإن يكن مستحسناً نزعها لضرورات البيئة والنظافة والتنظيم المدني. ومن السخرية أن تنشط الأجهزة لنزع الشعارات التي تروِّج للسلاح، فيما السلاح يسرح ويمرح، أو الشعارات التي تسوِّق التطرُّف، فيما الخلايا الإرهابية حيّة وترزق!

وطريف قرار المتحاورين نزع الشعارات واللافتات التي يرفعها «حزب الله» دعماً للرئيس بشار الأسد مثلاً، فيما مسموح لـ»الحزب» أن يذهب بكامل عديده وعتاده للقتال في سوريا.

وخلال أيام، هناك خطة أمنية موعودة في البقاع، لا لفرض الدولة سلطتها على الجميع، من بعلبك- الهرمل إلى عرسال وجرودها إلى عنجر وقوسايا، ولا لمنع إنتقال المقاتلين والخلايا الأمنية ذهاباً وإياباً بين لبنان وسوريا، بل لمداهمة بعض الزعران ومهرّبي المخدرات وسارقي السيارات الذين يُقال إنهم تواروا عن الأنظار، بعدما تبلّغوا مسبقاً بالقرار منذ أسابيع. وما يُقال عن البقاع، ينطبق على الضاحية وبيروت وسواهما. وأما في عين الحلوة، فالجميع يتهيَّب ويتهرَّث.

وفوق ذلك، إنفجرت الأزمة حول لفظ الجلالة في طرابلس، مع أنّ اللفظ لا يشكل إستفزازاً لجميع المؤمنين بالله، السنّة والشيعة والعلويين والدروز والمسيحيين. كما لا يشكل إستفزازاً لغير المؤمنين بالله الذين إعتادوا التأقلم مع الشعارات أو الإملاءات الدينية في كلّ البيئات اللبنانية.

وحتى آل كرامي أنفسهم إعتادوا على أنّ الساحة هي لـ»النور» لا لتمثال عبد الحميد كرامي. ولا يمكن لأحد أن يطالب بنزع عبارة «الله» لإعادة تمثال عبد الحميد كرامي!

لكنّ المثير هو أنّ النائب خالد الضاهر ضاع تحت تأثير الإنفعال، وردّ على الذين حاولوا نزع العبارة بالقول: إذهبوا وإنزعوا تمثالَ يسوع الملك من جونية، علماً أنّ أياً من «وكلاء» يسوع الملك لم يكن جالساً إلى طاولة الحوار السنّي- الشيعي الذي إتخذ قرار نزع الشعارات.

ومع أنّ المسيحيين لا علاقة لهم بالقرار إطلاقاً، لا تحضيراً ولا تنفيذاً، فإنّ الضاهر ربما إستسهل توجيه سهامه نحوهم. وقد يكون ذلك أقلّ كلفة عليه من توجيهها إلى الشيعة.

ومع أنّ تمثال يسوع الملك لم ترفعه جهة حزبية في حديقة عامة، بل مرجعية دينية في حرم الدير إياه، فإنّ «صراع الآلهة» ليس في محلّه إطلاقاً. و»يسوع الملك»، في إعتبار الذين هنا، هو نفسه «الله»، في إعتبار الذين هناك. وأساساً، ليس مؤكداً أنّ الذين كانوا يريدون «مداهمة» الساحة الطرابلسية ونزع شعاراتها أرادوا نزع لفظ الجلالة، فهو ليس شعاراً، بل نزع الشعار الآخر الإستفزازي: «طرابلس قلعة المسلمين».

في الخلاصة، هناك مَن يُسلّي الناس بالتفاصيل والشكليات لأنه لا يريد الدخول في المسائل الجوهرية. ولكن، حتى الشكليات في لبنان تثير الهواجس. فهل معقول أن تؤدي كلمة «الله» إلى الفتنة؟