IMLebanon

ورحل «الزعيم المحبوب»

لم يتسنَّ لجوزف وجبران، ومعهما والدتهما ميريام، أن يجلسوا جميعاً على طاولة واحدة للاحتفال بالعيد الـ67 للوالد والزوج. فالياس سكاف رحل قبل ساعات من يوم ميلاده في 11 تشرين الأوّل.

وبرغم الصراع الطويل مع مرض سرطان الرئة ومكوثه في «مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت» لأسابيع، لم يكن سهلاً على العائلة أن تتلقى الخبر الفاجعة برحيل «الزعيم المحبوب» الساعة الخامسة من بعد ظهر السبت، ليكون الخبر ثقيلاً على زحلة بأكملها بعد أن فقدت «الرجل المهذّب والآدمي والنظيف».

كلّ أجراس الكنائس في زحلة والبقاع قرعت حداداً. وفُجعت طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، التي انتخب سكاف رئيس مجلسها في دورتين متتاليتين في العام 1999 و2002، بخسارة هذا الركن الكاثوليكي والقلعة الوطنية التي فقدها كل لبنان.

وذرف أهالي زحلة والبقاع دموعاً على «إيلي بك»، من دون أن يكلّوا من التحدّث عن نظافة كفّه.

هو الذي باع أراضيه وأنفق من ماله الخاص في سبيل خدمة أهالي منطقته. وهو الذي أبقى أبواب بيته مشرّعة لمن يريد خدمة من دون أن تلوّثه الطائفية والمذهبية، ليظلّ سكاف زعيماً عابراً لكل الطوائف والمذاهب ورجلاً صادقاً لا يعرف الرياء ودهاليز السياسة بمفهومها اللبناني، ومن دون أن تغيّره المناصب التي تولّاها كانتخابه نائباً عن 4 دورات ممتدّة من العام 1992 وحتى العام 2005، ووزيراً في حكومات الرؤساء: رفيق الحريري وعمر كرامي وفؤاد السنيورة.

كان الصوت الصارخ في الدفاع عن لقمة عيش البقاعيين على اختلاف توجهاتهم، إلا أنه تعرض للاضطهاد في النيابة وفُرض عليه إيصال مرشحين إلى النيابة في لائحته ليتخلّوا عنه عند اول نقطة وصول. تماماً كما حُرم رئيس «الكتلة الشعبيّة» من التوزير برغم عدم قدرة خصومه على سلبه الزعامة التي بقيت ملتصقة به حتى اليوم الأخير. فـ «الزحلاوييين» ما زالوا يستذكرون عندما رددوا عبارتهم الشهيرة «زحلة لا يمثلها الا الياس سكاف.. والياس سكاف لا يمثله الا الياس سكاف».

بقي سكاف رقماً صعباً في زحلة برغم الحروب التي شُنّت ضدّه من قبل وحوش السياسة والطائفية وحيتان المال. فما ربحه في المعترك السياسي ناله أيضاً في الشأن البلدي لتفوز اللوائح المدعومة منه كاملة في ثلاث دورات. هذا الفوز تتذكّره زحلة بدعمه المجالس البلدية في النهضة الإنمائية والعمرانية والاقتصادية التي شهدتها عروس البقاع خلال هذه الفترة.

ابن جوزف سكاف لم يترك بلد والده برغم ولادته في قبرص وبقائه إلى جانب والدته، فهو ما لبث أن عاد إلى مسقط رأس والده عندما بلغ الـ16 عاماً، ليكرّس نمطاً جديداً للزعامة. فالمهندس الزراعي واءم بين عمله في السياسة كنائب ووزير ومشارك في مؤتمرات عدّة أبرزها «الدوحة» وطاولات الحوار كممثل عن طائفة الروم الكاثوليك و «الكتلة الشعبية»، وبين العمل الاجتماعي. إذ أنّه أسس في العام 2001 «مؤسسة جوزف طعمه السكاف» الخيرّية الاجتماعية.

هذا ما يردّده مناصرو سكاف في زحلة وفي البقاع. الزعيم العابر للطوائف سيفتقده حتماً الموالون له في مجدل عنجر إلى علي النهري وزحلة وقب الياس وتعلبايا والفرزل وأبلح وصولاً إلى اقصى البقاع الغربي.. وهذا أيضاً ما سيشهد عليه الوداع الأخير لسكاف الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الاربعاء المقبل في «كاتدرائية سيدة النجاة» في زحلة خلال قداس يترأسّه البطريرك غريغورس الثالث لحام.