IMLebanon

الإنشاد بنغم حزين: بحبك يا لبنان، يا وطني بحبك

 

 

كل الدلائل المستجدة منذ نشوء أزمة الطعن بمهمة وممارسات القاضي طارق البيطار وما لحق بها من تظاهرات واقتحامات وممارسات عنفية مسلحة وما تبدّى من مواقف الرئيس عون وتياره الوطني والإهتزاز الملحوظ في مدى شعبيته المسيحية، وكل التصريحات المتبادلة وصولا إلى الإعتراض الشديد على موعد إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة والخلاف المصطنع على موعد تلك الإنتخابات وتفاصيل حقوق المغتربين الإنتخابية بذرائع مناقضة للتوجه اللبناني العام ولإصرار المجتمع الدولي الأوروبي والأميركي فضلا عن أجزاء واسعة من المجتمع الإقليمي، على إجراء هذه الإنتخابات في أقرب وقت ممكن «تحدّدَ له أواخر شهر آذار»، الأمر الذي جوبه باعتراض من قبل الرئيس عون متعدد الوجوه والدوافع. كل هذه التصرفات والمؤشرات التي طغت مؤخرا على أوضاع الساحة الداخلية مختلقة أوضاعا أقرب ما تكون إلى الفوضى العامة التي أطبقت على بعض الأجواء المريحة التي أدى إليها تأليف الحكومة الميقاتية الجديدة بعد مخاض عسير استمر ما يقارب العام وثلاثة أشهر، وأدّى إلى تراجع عن التأليف من قبل اثنين من الرؤساء المكلفين ومنهم «المرشح الطبيعي» الرئيس سعد الحريري الذي وجد نفسه بعد تسعة أشهر من الجهود والمحاولات مدفوعا إلى الإعتذار ليحل مكانه مرشح آخر هو الرئيس ميقاتي، الذي عُرف عنه ميله إلى المناورة السياسية والسعي إلى تسهيل عملية التأليف في إطار مرتبط إرتباطا وثيقا بالوضع السياسي والحزبي والفئوي السائد، فكانت حكومة متعددة الإنتماءات والإلتزامات وإن تميزت بنوعيات من الوزراء الذين أعلن كلٌ منهم أنه سيلقي بأي ارتباط سياسي أو حزبي أو فئوي جانيا، والسير بالحكم والحكومة باتجاه موحد يحمل تسمية «معا للإنقاذ». ولكن، الإنقاذ الحكومي المذكور الذي قارب عمره بضعة أسابيع، تلقّى صفعة أولى في صميم تآلفه ومسيرته من خلال «انتفاضة» أحد نواب الثنائي الشيعي في جلسة لمجس الوزراء عقدت في القصر الجمهوري بحضور الرئيس القوي ورعايته، وكان اعتراض حامي الكلام والوطيس وتهديد بالإنسحاب من الحكومة «لأسباب ميثاقية»، أدّت إلى خلخلة البداية الإنقاذية، وإلى تعطيل انعقاد مجلس الوزراء إلى أجل غير مسمى، ولبث الرئيس القوي عاجزا عن وقف النزف الحكومي وإيجاد حلّ يعيد الحياة بحكومةٍ سريعا ما فقدت توافقها وتآلفها وتعهّدها بالسعي السريع والمطلوب بإلحاح من قبل المجتمعْين الدولي والإقليمي، لمباشرة العملية الإصلاحية- الإنقاذية وإجراء الإنتخابات النيابية المقبلة في موعد معترض عليه بحدة وشدّة من قبل النائب جبران باسيل مؤازرا بالطبع من فخامة الرئيس القوي.

 

 

وبعد: لا بد لنا من أن نشير إلى حصيلة هذه الأيام السوداء التي مرّت على الوطن، فألغى حتى الآن، إنطلاقة الحكومة وأهدافها الإصلاحية وأدت إلى وضع الإنتخابات المقبلة في حالة حرجة تهدّدها بالإرجاء إلى موعد غير محدد، بل وربما، الإلغاء الكامل، سعيا إلى غايات في نفس يعقوب تجعل من «التجديد المفروض» بالمناورة واستعادة ظروف الماضي وأساليبه، فإن لم يكن، فبمحاولة تأمين ظروف جديدة لخليفةٍ حاكمةٍ من العائلة مع الأخذ بعين الإعتبار أنه قد مرت عليها معظم سنوات العهد التي لم يبق منها إلاّ قرابة العام، فكانت سنوات متجمّدة بعيدة عن كل الوعود الباهرة التي بذلت في بداياتها.

 

إذن، الأوضاع القائمة بكل تفاصيلها التي أوردنا بعضا منها، لا تبشر بخير مقبل في أمد منظور، وتبقى المصيبة الكبرى التي حلّت ببيروت من خلال انفجار المرفأ الأسطوري، وتستمر بكل مآسيها ونتائجها وضحاياها وشهدائها وخرابها ودمارها وزوال مرفئها الذي لطالما دفع بها إلى واجهة التميز الإقتصادي والسياحي والحضاري، وفي غفلة من الزمان ومن الإهتمام العام، ووسط حصيلة من التآمر على هذا الوطن المنكوب… طار المرفأ ، ويكاد السعي الدؤوب إلى تعميةِ أوضاعه وأحواله والأسرار التي تحيط بمأساة لبنان واللبنانيين من خلاله، أن تطويه المناورات والمداخلات والسعي إلى أقصى ما يمكن من ظروف التأخير والتأجيل، وتحوير المحاولات القضائية للوصول إلى الحقيقة الضائعة، عن طرقها السليمة والمنتجة. كل هذه السنوات العجاف مرّت على وجود التفجيرات شبه النووية في قلب الميناء، والحصيلة حتى الآن، بجهد قضائي وبدونه، تغوص في بحار المأساة التي طاولت بيروت وأهلها، متوجهة نحو العثور على الحقيقة وتبينت جملة من الحقائق المطوية والمخيفة من جموع اللبنانيين، خاصة منهم، من طاولتهم النكبة بكل مآسيها وسليباتها، حيث نجد أن جملة من الأوضاع والظروف تستجد وأن جملة من المعلومات يجري طمسها بما فيها ما يمكن أن يستعان بصددها بأقمار دولية متعددة تغزل في الأجواء، وتشير إليها صحف وتحقيقات أوروبية، ولكنها تبقى بعيدة عن إيضاح الدول والحقيقة، ونستغرب بعد كل ذلك كيف أن حشودا من اللبنانين، تهاجر إلى بلاد الله الواسعة لمن استطاع إليها سبيلا، أو هي تحاول إن سمحت لها ظروفها وإمكاناتها. ومع كل هذه الظروف القاسية، ما زال كثيرون من المتشبثين بالصمود في هذه الأرض وهذا الوطن. ينشدون بنغم حزين: بحبك يا لبنان، يا وطني بحبك.