IMLebanon

في البلمند.. لاصوت يعلو فوق فرح الأطفال وعودة المطرانين

 

لم يشأ الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس اختتامَ جولته الى لبنان من دون المرور بدير سيدة البلمند البطريركي ولقاء بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي وإجراء مباحثات معه في الشؤون الدينية والوطنية.

 

لدير البلمند الواقع على تلة الكورة المشرفة على بحر طرابلس والشمال علاقات طويلة مع اليونان، ولا يغيب عن بال القيمين على الدير تلك المراحل، فمن جهة هناك علاقات دينية وتربوية، ومن جهة أخرى فإنّ هذا الدير نال نصيبه من التنكيل أثناء الثورة الاستقلالية اليونانية عام 1821 ضد الأتراك، حيث نُفِّذت عمليات انتقامية ضد الدير الأرثوذكسي رداً على التمرد اليوناني.

 

من الأوتوستراد الساحلي الى دير البلمند زُيِّنت الطريق بالأعلام اللبنانية واليونانية والبطريركية الأرثوذكسية، تخرق الطريق صعوداً وسط جمال الطبيعة والأحراج الخضراء، في مشهد معاكس تماماً لما تعيشه المسيحية المشرقية.

 

الطريق المفتوحة الى الدير تقابلها طريقُ هجرة مفتوحة أيضاً لمسيحيّي الشرق بأعداد كبيرة الى الغرب، شجرُ السنديان الواقف والمخضرّ في فصل الربيع يقابله خريفٌ عربيّ لم يرحم لا الأكثريات ولا الأقليات، الصرح التعليمي في البلمند الذي يخرّج أهم العقول تقابله حربٌ ضروس دمّرت الحجر وقضت على أحلام البشر.

 

لا شكّ أنّ يوم أمس كان يوماً جميلاً في البلمند، أطفال المدرسة حضروا منذ الصباح الباكر لاستقبال الضيف اليوناني، وهم الذين بدأوا بالتحضير للمناسبة منذ أيام، منهم مَن يسأل مَن يكون هذا الزائر وآخرون عرفوا هويته ويريدون التقاط الصور معه ومع البطريرك.

 

ولا تغيب عن جدران الدير ونفوس الرهبان والمطارنة صورة مطراني حلب المخطوفين ابراهيم اليازجي ويوحنا ابراهيم، فكل صورة تُذكّر بنيسان الأسود من العام 2013، 6 سنوات مرّت ولا أحد يعرف مصيرهما، داعش هزمت وانتهت في سوريا والعراق ولم يظهر أيُّ أثر لهما، كل رحلات البطريرك اليازجي الى الخارج والمطالبة بكشف مصيرهما لم تؤدِّ الى أيّ نتيجة، فلم يعد ينفع إلّا الصلاة حسب رهبان الدير.

 

عند الساعة التاسعة صباحاً اكتملت الترتيبات، الأطفال اصطفّوا مع اساتذتهم على طول طريق الدير يحملون الأعلام، فيما وقف قسمٌ منهم ناحية الشرفة المطلّة على البحر، وصل الرئيس اليوناني بالهليكوبتر، ترجّل ومشى على وقع قرع الأجراس، وقد استقبله البطريرك اليازجي.

 

حرص الرئيس بافلوبولوس على إلقاء التحية على الأطفال متخطّياً كل البروتوكولات، لم يسر على السجادة الحمراء، وتقصّد أن ينزل الى الشرفة ليسلم على القسم الثاني من الأطفال الواقفين في استقباله ويلتقط الصور معهم.

 

دخل الرئيس والبطريرك الكنيسة، ولحظة دخوله قبّل الأيقونة من ثمّ رُفعت الصلاة.

 

وفي الكلمات، ركّز اليازجي على العلاقات مع اليونان ووحدة الكنيسة الأرثوذكسية وأهمية بطريركية أنطاكيا ودورها، ولم ينسَ الأم المسيحية المشرقية وما تعانيه، والمطالبة بكشف مصير مطراني حلب المخطوفين، ولم تغب عن بال اليازجي حروب المنطقة حيث قال: لقد مرّت منطقتُنا بحروب كثيرة وأزمنة صعبة تحدّت وجود الكنيسة وشهادتها في الشرق المسيحي. لكنّ نورَ الإنجيل ما زال يضيء ههنا، ويشهد للعالم أنّ شعلة الإيمان الحقيقي لا تنطفئ بل تزداد تألّقاً حين تدخل الكنيسة في أتون التجارب. وكان لإخواننا في بلاد اليونان إسهامٌ حقيقي في الحفاظ على ألق الكنيسة الأرثوذكسية في العالم وأصالة شهادتها ورسالتها للعالم».

 

كما أضاء اليازجي على الأزمات التي تمرّ بها الكنيسة، وشدّد على «أننا مقتنعون بأنّ دولة اليونان والكنيسة اليونانية المبارَكة يمكنهما أن تلعبا الدورَ الريادي في لمّ الشمل ورص صفوف العائلة الأرثوذكسية عبر العالم». وأكد «أننا باقون كمسيحيين في الشرق الأوسط وأنّ وجهَ المسيح لن يغيب عن مهد المسيحية في بلادنا».

 

وتقديراً للضيف اليوناني منحه اليازجي وسامَ مار بطرس وبولس، فاعتبر الرئيس أنّ هذا الوسام هو للشعب اليوناني، مفضّلاً في كلمته الابتعاد عن السياسة.

وأشاد ببطريركية أنطاكيا، معتبراً أنّ جذور المسيحية خرجت منها، ومستشهداً بقول القديس بطرس على هذه الصخرة أبني مملكتي وأبواب الجحيم لن تقوى ابداً علينا.

 

وذكر بأنّ أنطاكيا، عبر تاريخها الطويل، كانت لها مكانتُها في الحضارة اليونانية. وهذا التقليد الذي لا يثمَّن يستمر فيه كرسي أنطاكية الرسولي، الجامع تراث الفلسفة في الأزمنة الهلينستية، وآباء الكنيسة العظام، وناظمي تسابيح الأرثوذكسية الكبار، لافتاً الى أنّ «البلمند هي امتداد لأنطاكية والأرثوذكسية في العالم».

وتمّ تبادل هدايا وصور تذكارية ووقّع الرئيس على سجلّ الدير قبل المغادرة.

 

إنتهى اللقاء وغادر الرئيس اليوناني بعد إجراء مباحثات مع اليازجي والمسؤولين اللبنانيين، لكنّ الهموم المسيحية ستبقى تُثقل كاهل البلمند وكل البطريركيات المشرقية، خصوصاً أنّ الشرق يتّجه الى أن يصبح أرضاً خالية من المسيحيين، باستثناء لبنان الذي لا تملك قياداته المسيحية رؤية واضحة للمستقبل.