IMLebanon

تجاذبات التأليف الحكومي: محاولة لمنع سقوط لبنان بيد إيران عبر صناديق الاقتراع!

تداعيات الانتخاب الرئاسي تتحكّم بالمشهد: قانون الستين أو النسبية أو المختلط ؟

تجاذبات التأليف الحكومي: محاولة لمنع سقوط لبنان بيد إيران عبر صناديق الاقتراع!

تثبيت مبدأ حكومة الوحدة الوطنية على الدوام بعد الطائف ينسف النتائج المترتبة عن أية انتخابات نيابية

يُبدي متابعون في قوى «الثامن من آذار» لمسار تأليف الحكومة اقتناعاً بأن  تأخّر إنجاز التشكيلة الوزارية لا يرتبط بالحسابات الاستراتيجية أو الخارجية، ذلك  أن «حزب الله» تجاوز مسألة استخدام المعطى الإقليمي وتوظيفه داخلياً منذ أن قرّر السير بمجيء سعد الحريري رئيساً مكلفاً، تماماً كما الرئيس المكلف الذي انتهج «الواقعية السياسية» منذ تأليف حكومة الرئيس تمام سلام عبر ربط النزاع في الملفات الشائكة التي تتخطى معالجتها البُعد اللبناني إلى ما هو إقليمي ودولي، والذي يدرك المدى الذي يمكن أن يذهب إليه في ظل موازين القوى الراهنة.

من هنا يعزو هؤلاء المتابعون، على ضفة «الثامن من آذار»، تأخير ولادة الحكومة إلى عوائق محلية تتعلق بلعبة «التشاطر» لكل طرف في كيفية فرض وجهة نظره وتحصيل مكاسب وحقوق حكومية له، في ظل عدم وجود معايير واضحة لعملية تشكيل الحكومات. فالثابت الذي انطلق منه الجميع  منذ البداية، وبات بمثابة تسليم سياسي يكمن في أن الحكومة هي حكومة وحدة وطنية، بما يعنيه ذلك من ضرورة أن تعكس النسيج المعبّر عن القوى السياسية الممثلة في البرلمان، يفتح شهية الجميع على المطالب في الأحجام والحقائب، نظراً إلى الطبيعة التي تتحكم بعملية التأليف والتي تغيب معها الاعتبارات لأي عوامل رادعة قادرة أن تحدّ من نزق المطالب الحاصل، وما ينتج عنه من حالة نزف في الوقت والسياسة، وانعكاساتها على واقع البلاد في مختلف المستويات.

على أن ثمّة من يرى أن ما يجري راهناً، والذي يُشبه إلى حد كبير حال التجاذب التي كانت تحصل مع كل عملية تأليف منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري على الأقل، وإن كان يصح القول منذ اتفاق الطائف، يهدف إلى تكريس وقائع تكون بمثابة القواعد الثابتة التي لا بد من اعتمادها في تأليف أي حكومة مستقبلاً بمعزل عن موازين القوى التي تفرضها الانتخابات النيابية بين أكثرية وأقلية، ذلك أن تثبيت مبدأ «حكومة الوحدة الوطنية» كمبدأ مُعتمَد على الدوام، ينسف في واقع الأمر النتائج المترتبة عن الانتخابات، ويُحدّد مسبقاً القواعد في عملية التأليف بعيداً عن الطموحات بحكومة متجانسة ومنسجمة أو تلك التي تعكس فوزاً للأكثرية، ما دام على الحكومات أن تعكس التوازنات السياسية للمكوّنات الطائفية في البلاد، وإلا فقدت الميثاقية بالمعيار الذي يطرح راهناً، كتعبير عن ثقل القوى السياسية للطوائف ووزنها، وليس عن تمثيل الطوائف فقط.

وبغض النظر عن مدى صوابية هذا الاستنتاج أو عدمه، فإن الهاجس الذي يتحكم بالواقع السياسي اللبناني ينطلق من تداعيات الانتخاب الرئاسي، الذي جرى من دون التوافقات التي كان يُطالب بها فريق «الثامن من آذار» ممثلاً بالرئيس نبيه بري كأحد أركان «الثنائية الشيعية»، وبين ضغط موعد الانتخابات النيابية واقتراب الدخول في المهل القانونية والبقاء على «قانون الستين» الذي أعطى قوى «الرابع عشر من آذار» الأكثرية النيابية. وإذا كان من الصعب الحُكم على طبيعة التحالفات النهائية التي يمكن أن تتشكّل في الانتخابات المقبلة مع المعطيات الجديدة، وفي مقدمها التحالف المسيحي – المسيحي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وما سيكون له من نتائج وانعكاسات في التحالفات، فإن التركيبة الطائفية لغالبية المحافظات من شأنها أن تؤشر إلى ماهية التحالفات المتوقعة التي من الصعب أن تعطي القدرة للتحالف الذي يقوده «حزب الله» في الحصول على الأكثرية البرلمانية التي يعتبر أن تحقيقها ممكن عبر «قانون النسبية الكاملة» على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة أو دوائر موسّعة. وهو الأمر الذي أطل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، يوم الجمعة الماضي، ليطرحه كـ «ممرّ إلزامي لبناء الدولة القوية».

وفي الوقت الذي تذهب فيه قوى «الثامن من آذار» إلى اعتبار أن قانون «الستين» يُشكّل مصلحة للحريري، غامزة من أن تأخير الحكومة يخدم هذه المصلحة، تتباين القراءات في موقف نصر الله حول النسبية الكاملة، بين مَن يرى أن الرجل حدّد في إطلالاته معالم القانون المقبل للانتخابات النيابية والتي يضمن من خلالها سلفاً النتائج التي يريدها، وهو لم يطرح النسبية الكاملة لولا أنه لم ينطلق من قراءته لموازين القوى التي يعتبر أنها تفرض نفسها على المشهد الإقليمي ويمكنه توظيفها عندما تقتضي الضرورة، وبَين من يَعتبر أن طرح نصر الله لهذا السقف العالي هدفه الوصول إلى دفع الجميع لإقرار «القانون المختلط» بين النسبي والأكثري، والذي قطعت غالبية القوى شوطاً كبيراً في اتجاهه كتسوية مقبولة إذا تمّ التسليم نهائياً بتجاوز «قانون الستين».

لكن التحدّي لا يكمن في السير بالقانون المختلط ونسبة المقاعد التي ستحتسب على أساس الأكثري وعلى أساس النسبي، إذ أن ردم الهوّة في هذه النقطة يبدو ممكناً بعدما وصلت المشاريع المطروحة إلى نسبة 60 مقعداً على أساس النسبي مقابل 68 للأكثري في مشروع القانون المقدّم من قبل «تيّار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وبين المناصفة في المقاعد (64 لكل منهما) المطروحة في مشروع القانون المقدّم من بري عاكساً وجهة نظر حلفائه، بل إن المعركة الأساسية تكمن في تقسيم الدوائر الانتخابية التي سيجري الانتخاب على أساسها. فكل طرف من الأطراف سينطلق في رسم الحدود الجغرافية لكل دائرة استناداً إلى عدد الأصوات الـتي تؤمّنها له، والتي يمكنه من خلالها الوصول إلى تحقيق أكبر نسبة مقاعد نيابية، ذلك أن الهدف الرئيسي لدى كل من القوى المتصارعة في رؤيتها للبنان ومشاريعها السياسية داخلياً وامتدادتها الإقليمية هو ضمان الأكثرية النيابية لمصلحتها، وإن كان حصول الفريق المناوئ لـ «حزب الله» على الأكثرية لا يُغّير كثيراً في النتائج في ظل موازين القوى الراهنة. جُلّ ما يحققه هو منع تشريع سقوط البلاد في يد محور إيران عبر صناديق الاقتراع والوسائل الديموقراطية!