IMLebanon

الوساطات الدولية كما المساعدات… تغادر لبنان

 

إنقلاب الوضعين الإقليمي والدولي بعد طوفان القدس، فضلاً عن أنّه وضع لبنان في مرتبة أكثر تأخّراً من الاهتمام، عن تلك التي كان هبط إليها، بفعل الانشغال الأوروبي والأميركي والعربي بأولويات عدة أخرى، فإنّه صرف الوساطات الخارجية عن محاولة إيجاد مخرج من مأزق الفراغ الرئاسي، لتنصبّ الجهود على محاولة احتواء التصعيد على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، وعلى مساعي تفكيك إمكان انفجار مواجهات عسكرية على أكثر من جبهة، ومنها «ساحة» لبنان.

 

من الأمثلة على ذلك، التوقعات بأن تستدير الوساطة القطرية نحو القيام بوساطة بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة «حماس» من أجل الإفراج عن مختطفين يحتفظون بالجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، خلال عملية «الطوفان»، أسوة برهائن آخرين من جنسيات أوروبية باتوا في حوزة «حماس» أو فصائل فلسطينية أخرى، وهي عديدة، شاركت في العملية العسكرية الصاعقة. وقد يأخذ ذلك وقتاً وجهداً طويلين.

 

مثلٌ ثانٍ، إنّ الولايات المتحدة باتت مهتمة بلبنان فقط من زاوية الحؤول دون انخراط «حزب الله» وإيران من ورائه، في مغامرة فتح الجبهة اللبنانية ضد إسرائيل، فأرسلت حاملة الطائرات جيرالد فورد، ثم الحاملة أيزنهاور، كإشارة للاستعداد لضربات تساعد اسرائيل في هذه المواجهة المُحتملة. وهذه الرسالة اقترنت مع الرسالة التحذيرية الشفهية التي نقلتها السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى كل من رئيسيْ البرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بوجوب استخدام اتصالاتهما لإبعاد لبنان عن المواجهة الدائرة على جبهة إسرائيل غزة. فالمخاوف، اللبنانية والدولية من مغامرة إيرانية وبالتالي من قبل «الحزب» على الجبهة اللبنانية تبقى قائمة في كل الأحوال. فالأسواق السياسية اللبنانية المعارضة للنفوذ الإيراني ودور «حزب الله» على الساحة اللبنانية تنطلق من أن لا شيء يمكن أن يردع الأخير عن القيام بأي مغامرة قاتلة، إذا اتخذت طهران قراراً بذلك. لا الوضع الاقتصادي المنهار ولا الجبهة السياسية الداخلية المفككة والمهترئة ولا بدء الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين التي بدأت تحذر «الحزب» من احتمال إقحامه لبنان في الحرب الطويلة الدائرة ومن تدمير لبنان، ستكون رادعة للحزب. ولا الأصوات التي أخذت ترتفع من الرئيس السابق لـ»الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى حزب «الكتائب» بعدد من نوابه ورموزه، ومن النائب السابق فارس سعيد أو غيرهم من السياسيين اللبنانيين، ستلقى آذاناً صاغية إذا صدر قرار إيراني يلزم ذراعه اللبنانية.

 

في انتظار اتضاح قرار «الحزب» وإيران في شأن احتمال فتح جبهة لبنان ورجحان كفة التوقعات بأن تبقى العمليات التي يشهدها الجنوب منذ صباح 8 تشرين الأول، تحت سقف عدم الانزلاق إلى حرب، فإنّ المتضرر الرئيسي من وراء انصراف الاهتمام الأميركي هو الجيش اللبناني من زاوية المساعدات، بموازاة استمرار القلق من فلتان الجبهة الجنوبية للبنان.

 

أصلاً وقبل «طوفان الأقصى» كانت واشنطن خفّضت درجة حرصها على دعم الجيش، وأخذت تحوِّل بعض المساعدات بالمعدات التي كان البنتاغون ينوي تقديمها للجيش اللبناني، إلى أوكرانيا. وحسب سياسيين لبنانيين من زوار واشنطن، كان تقييم القيادة العسكرية الأميركية العودة عما سبق أن خططت له لتزويد الجيش مدافع ذاتية الحركة، معتبرة أنه يحتاج إليها، فإذا بهذه المدافع تتجه نحو أوكرانيا، بحجة أن كييف بحاجة إليها أكثر من لبنان. بعد التطورات الدراماتيكية في فلسطين المحتلة، وردود الفعل الأميركية المذعورة بالتضامن مع إسرائيل من أن ما قامت به إيران و»حماس» يشكل هزيمة كبرى غير مسبوقة منذ حرب 1973، باتت المساعدات العسكرية الأميركية موجّهة نحو تل أبيب. وهذا سيحرم لبنان من بعض هذه المساعدات، وربما أوكرانيا في شكل نسبي. المخاوف من الانزلاق الإيراني لتوريط لبنان، وتراجع أي اهتمام بلبنان والتعاطي معه على أنه ساحة إيرانية فحسب، يعلِّق أزمة البلد على حبل المجهول أكثر من السابق طالما أنّ الفرقاء الداخليين يعجزون عن التوافق حول مخارج تقيه تعاظم المخاطر عما كانت عليه.

 

المخاوف المذكورة قد يتضح مدى صحتها بعد زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت. والتجاهل الدولي الإقليمي لمساعدة لبنان على معالجة أزمته لن يتراجع إلا بعد أن تبدأ المفاوضات التي يفترض أن تلي الحرب القائمة في غزة. وهو أمر لا يبدو واضحاً توقيته طالما الكلمة لصوت المدافع، ولمحاولة إسرائيل الرد الوحشي على الصفعة الكبرى التي تلقتها…