IMLebanon

ماذا تريدون من الأردن… ومن الملك؟ [2]  

 

 

لقد بيّنا في القسم الأول من حديثنا كيف يتعرّض الأردن ومليكه جلالة الملك عبدالله الثاني، الى أبشع اتهامات بسبب موقفه من الحرب في غزّة… وأظهرنا مواقف الأسرة الحاكمة في الأردن من القضية الفلسطينية، وكيف احتضن الأردن الفلسطينيين وتمّ إدماجهم في المجتمع الأردني. حتى ان الأردن تشارك مع الفلسطينيين في الحكم وإدارة شؤونه.. وقلنا بأنّ أحداً لا يمكن أن ينكر مواقف الأردن المجبولة بالشهامة العربية والاخاء تجاه قضية فلسطين… وأشرنا الى ان هناك مؤامرة تُحاك ضد الأردن من خلال تهجير بعض العراقيين إليه، وإدخال بعض الفلسطينيين المبعدين الى الديار لإثارة الاضطرابات والشغب.

 

ونتابع اليوم هذا الموضوع بالقول إنه ومنذ اليوم الأول لأحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وما تلاها من عدوان على غزّة، بدا الموقف الأردني الحازم والصريح واضحاً تجاه الاحتلال الاسرائيلي من حيث مطالبته بوقف العدوان على غزّة، ورفض الأهداف الاسرائيلية التي تريد إسرائيل تحقيقها بتفريغ قطاع غزّة من سكانه.

 

كان الموقف الأردني يتبع سياسة التصعيد المتدرّج تجاه الممارسات الاسرائيلية. فقد كان واضحاً للأردن ان إسرائيل تريد استغلال ما حصل يوم السابع من تشرين الأول لتحقيق أهداف سياسية كبرى، وتحقيق منعطف ومرحلة جديدة من مراحل تصفية القضية الفلسطينية.

 

من هنا، أعلن العاهل الأردني ان أي حلّ لا يردّ الحقوق الفلسطينية كاملة الى أهلها سيكون مصيره الفشل، والمزيد من العنف والدمار. كما أكد رفضه أي خطة تتعلق بتهجير الفلسينيين أو إعادة احتلال إسرائيل لغزّة. وحذّر من انفجار الأوضاع مجدداً في الضفة الغربية، اتساع رقعة الصراع، إذا ما استمرت اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية على أبناء الشعب الفلسطيني. ولا ننسى ما قاله وزير خارجية الأردن: إنّ “حماس” فكرة والفكرة لا تنتهي.

 

إلى ذلك، استطاع الأردن وبالتنسيق مع الجانب الأميركي أن يرسل الامدادات الطبّية عبر طائرات إنزال جوّي للمستشفى الميداني الاردني المقام في منطقة تل الهوى، مع إرسال قوافل من الامدادات الغذائية لغزّة وللضفة الغربية.

 

والأردن يرى بالتأكيد في المواقف الاسرائيلية الحالية، محاولات للبدء بخطة التهجير للتخلص من الكتلة الديموغرافية الفلسطينية في داخل الكيان الاسرائيلي.

 

وهنا أذكّر بأنّ هناك العديد من الاردنيين من أصل فلسطيني من الذين تسلموا مناصب رفيعة في الأردن لم أذكرهم في القسم الأول من حديثي وهم:

 

قاسم الريماوي، تسلم منصب رئيس الوزراء.

 

جواب العناني، نائب رئيس الوزراء وعيّـن رئيساً للديوان الملكي ووزيراً في عدد من الحقائب الوزارية.

 

وهناك العديد من رؤساء الوزراء في الأردن على مدى التاريخ من أصل فلسطيني كتوفيق أبو الهدى وسمير الرفاعي وابراهيم هاشم وغيرهم.

 

ومن أشهر من تبوّأ منصب رئيس الديوان الملكي الهاشمي المرحوم عدنان ابو عودة.

 

وأعتذر إذ ورد أمس اسم وصفي التل ومصطفى وهبي التل والمشير حابس المجالي، فهم من شرق الأردن.

 

إنّ الأردن اليوم يعيش حالاً من الاستقرار بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب والدولة بسبب شحّ الموارد وطبعاً اللجوء الفلسطيني عام 1990 بمجيء 500 ألف فلسطيني من الكويت… لتزيد أعباء الحرب العراقية – الإيرانية ولجوء عدد كبير من العراقيين الى البلد، الطين بلّة.

 

الأردن، وفي ظلّ حكم الملك عبدالله بن الحسين هو أوّل من نبّه لمحاولات تنفيذ فكرة الهلال الشيعي، يعيش حال من الاستقرار الأمني، يتخللها بعض محاولات من الإخوان المسلمين الذين وبحجة القضية الفلسطينية يرغبون بالوصول الى السلطة، وتغيير النظام، حاولوا عدّة مرات ولا يزالوا يحاولون، والمصيبة انهم غير مقبولين شعبياً، وكأنهم لم يتعلموا من درس مصر أيّ شيء.

 

الاسلام السياسي غير مرغوب به عند أغلبية المسلمين، بل المقبول هو الاعتدال الاسلامي فقط لا غير..

 

اليوم، وبعدما فشل الإخوان المسلمون في كل المحاولات التي قاموا بها في الأردن، يحاولون أن يدخلوا عن طريق القضية الفلسطينية، وطبعاً الأهم اهتمامهم بما يحدث في غزّة. وهنا أوجّه سؤالاً لا بد من أن يسأله كل مواطن عربي للذين يرفعون شعاراً في بغداد، إنهم يتحضّرون للمجيء من العراق الى الأردن كي يحاربوا اليهود… كلام جميل.. ولكن عندي سؤال بسيط وطبيعي: ماذا عن جبهة الجولان؟ ولماذا طالما ان هناك حلفاً يسمّى حلف “المقاومة والممانعة” والتي تترأسه إيران… وبتعيين قائد الحرس الثوري في “فيلق القدس” الذي أنشئ منذ استلام آية الله الخميني تقاليد الحكم في إيران وطرد الشاه الى الخارج… حيث لم يتجرّأ أي رئيس أو ملك على استقباله… فقط الرئيس المصري أنور السادات هو الذي استقبله على المطار وفتح له أبواب القصور ليسكن فيها مع عائلته، وتوفي في مصر.

 

قائد “فيلق القدس” اليوم هو القائد الأعلى لقوات الميليشيات العراقية، والقائد الأعلى لحزب الله والقائد الأعلى للحوثيين.

 

و”الحزب العظيم” موجود على الحدود مع فلسطين المحتلة، ومنذ اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى” قام بما هو مطلوب منه وأكثر، والحقيقة تُقال ان التضحيات والشهداء الذين قدموا وصل عددهم الى 300 من “الحزب العظيم”.. كل هذه التضحيات من أجل فلسطين،إضاف الى تهجير 100 ألف لبنان من أهل الجنوب والتدمير والتخريب الذي يعاني منه الجنوبيون جرّاء الاعتداءات الاسرائيلية، وحمم الطائرات الاسرائيلية المتنقلة ومدافع وصواريخ إسرائيل خصوصاً التي تسلمتها مؤخراً من أميركا ضمن صفقة 18 مليار دولار ضمن مساعدة أمر بها الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يدّعي انه على خلاف مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو.

 

وعندي سؤال بسيط آخر: إذا كانت العلاقات سيّئة بين بايدن ونتانياهو وحصلت إسرائيل على أهم صفقة أسلحة في تاريخها تتضمن أحدث طائرات (F35.1) وصواريخ حديثة وقذائف من العيار الثقيل، هذا كله ضمن الخلاف، فماذا لو كانت الأمور جيّدة بين الرئيسين؟

 

إنّ الاخوة المتجذرّة بين الأردنيين والفلسطينيين لا يمكن التلاعب بها. فالتقديرات الرسمية تشير الى ان نسبة الاردنيين من أصل فلسطيني تتراوح بين 15 و39%. فيما يقدّر باحثون فلسطينيون هذه النسبة بين 60 و63% من مجمل الشعب الأردني، بينما يقدّر موقع يهوه المسيحي عدد الأردنيين من أصل فلسطيني بـ3.5 مليون نسمة.

 

وللتذكير فقط، فإنه تمّ استيعاب الفلسطينيين في الأردن بإدماجهم ضمن النظام السياسي في البلاد… ففي أعقاب انتخابات عام 1950، تمّ إنشاء البرلمان الذي ضمّ 40 عضواً مناصف بين الضفة الشرقية وبين الضفة الغربية. كما تمّ تعيين 20 عضواً، اثنا عشر منهم من الضفة الشرقية و8 من الضفة الغربية.

 

ويكفي القول إنّ الملكة رانيا العبدالله فلسطينية، ما يدل على مدى وحدة الشعبين.

 

وأخيراً أقول: ماذا تريدون من الأردن؟ دعوه ينعم بالاستقرار… ولا تزايدوا عليه بحب فلسطين، و”خيطوا بغير هالمسلة”. واتركوا الأردن يعيش برخاء… واتعظوا…

 

فهل تناسيتم كيف كانت سوريا ولبنان والعراق واليمن قبل ما يُسمّى بـ”جبهة المقاومة والممانعة والمساندة”، وكيف صارت هذه الدول بعد انتمائه لهذا المحور… يعيش أهلها في فقر مدقع، في ظل تدهور اجتماعي وتربوي وصحّي ومالي واقتصادي شديد؟..