IMLebanon

هل تمرّ «عاصفة» تعيين رئيس المحاكم الشرعية السنيّة؟

«شهر العسل» الذي عاشه ملفّ دار الفتوى القديم سرعان ما بدأ يتبدّد. القليلون ممّن ظلوا على إيمانهم بما تسمى «المبادرة المصريّة» التي لم ينفّذ منها إلا عنوانها، أي انتخاب مفتٍ للجمهوريّة، «بصموا بالعشرة» بأنّها «كانت حبراً على ورق».

.. ومجدداً عاد مسلسل الدعاوى القضائيّة ضدّ مفتي الجمهوريّة السابق الشيخ محمّد رشيد قباني.. وهذه المرّة من داخل المحكمة الشرعيّة مع اصدار القاضي الشرعي محمّد عسّاف قراره في قضيّة وقف علماء المسلمين بإلزام قباني بدفع 1195350 دولاراً أميركي. فيما تقدّم وكيل الدّفاع عن قباني بتقديم استئناف.

أكثر من عصفور ضرب بحجر هذه الدعوى القضائيّة وأبرزها استحقاق انتخابات رئاسة المحاكم الشرعيّة. فهذا الحكم صدر قبل يومين فقط من إحالة رئيس المحاكم الشيخ أحمد شميطلي إلى التقاعد.

من يكون خليفة شميطلي إذاً؟

كان المتداول أن من سيجلس مكان «الرئيس الزاهد» هو القاضي الشيخ عبد الرحمن مغربي الذي كان الأوفر حظاً أو القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة على اعتبار أنّهما يتمتعان بالأقدميّة داخل المحكمة وحائزان على أعلى نسبة درجات خلال تنقلّهما في السلك القضائي الشرعي، ويليهما القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي.

ولكنّ حتى الآن، لا آمال كبيرة معلّقة على وصولهما أو حتى وصول القاضي محمّد النقري أو الكردي إلى الرئاسة. بل إنّ «مشعل المحاكم» قد يسلّم إلى القاضي الذي أصدر حكمه ضدّ قباني (عساف).

ويعتبر المراقبون أنّ «المكافأة» ستكون لـ «القاضي الهادئ والبراغماتي»، الذي عرف كيف يكون قريباً من جميع القوى السياسيّة بدءاً من «المستقبل» والرئيس نجيب ميقاتي وصولاً إلى «الجماعة الإسلاميّة» والمفتي دريان.

«أوّل الغيث» عندما علم القضاة داخل المحكمة بأمر تعيين عسّاف مكان شميطلي بالإنابة. ومع ذلك، اعتبروا أنّه لا يدلّ على شيء بل إن المعنيين التزموا بالمادة 12 من أصول المحاكمات الشرعيّة والتي تنصّ على أن «يقوم بأعمال التكليف المستشار الأقدم في المحكمة العليا إلى حين تعيين رئيس أصيل».

صحيح أنّ هذا العرف غير مقنع للبعض، إلا أنّهم اعتصموا بالصبر، إذ يؤمن بعض المتابعين بفرضيّة حصول «أزمة» في حال تمّ تعيين عسّاف رئيساً وقد يصل الأمر إلى حدّ التوقّف عن العمل داخل المحكمة الشرعيّة في بيروت أو الطّعن بقرار التعيين.

الأمر ليس مرتبطاً بالأقدميّة والدرجات فحسب، وإنّما لأنّه يعني أنّ ابن الـ43 عاماً سيبقى في منصبه حوالي 19 عاماً أي إلى حين تقاعده (62 عاماً)، وفق ما ينصّ عليه القانون.

وعليه، لن يكون بمقدور القضاة الأكبر سناً الإذعان لهذه العمليّة التي تعني حكماً الإجهاز على «طموحاتهم الرئاسيّة الشرعية». وينقل عن البعض قولهم بأنّ «عسّاف سيعزيّ فينا جميعاً.. وهو في منصبه!».

لكن ما يبرّد قلب هؤلاء ويقلقهم في الوقت عينه هو أنّ عسّاف يردّد أمام كلّ من يلتقيهم أنّه ليس مرشّحاً وينفي أيضاً أن يكون مرشّح دريان، بل يشدّد على أن الأوفر حظاً اليوم هو القاضي مغربي الذي يؤيده.

في حين، يتحدّث البعض عن أنّ عسّاف سيكون رئيساً لكن ليس إلى سن التّقاعد، وإنّما لأقلّ من عشر سنوات. كيف؟

يشير من ينقل هذه «الرواية» أنّ الحجّة بأن يلقى القاضي الشرعي مصير سلفه الشيخ عبد اللطيف دريان الذي انتقل من رئاسة المحاكم إلى منصب مفتي الجمهوريّة. وبما أنّه يبقى لـ «سماحته» أقلّ من 10 سنوات في دار الفتوى فإنّ خلفه سيكون جاهزاً، أي عسّاف!

كلّ هذه الروايات والوعود طارت، حينما وصل إلى مسامع المعنيين خبر انعقاد «مجلس القضاء الشرعي الأعلى» الأربعاء الماضي برئاسة دريان من دون تعميم الخبر على الإعلام على جاري العادة.

وسمع قّلة ممن علموا بأمر الاجتماع أنّه سيكون «عادياً» للبحث «في بعض الأمور الروتينيّة العالقة». ولكنّ المفاجأة، تمثلت في ما سرب من معلومات مفادها أنّ «سماحته» طرح الأمر على المجلس من خارج جدول الأعمال ليصدر قراره بتعيين عسّاف رئيساً للمحاكم السنيّة، وتحويله إلى مجلس الوزراء صباحاً ليتمّ إصدار المرسوم رسمياً بعناية سهيل بوجي الأمين العام السابق لمجلس الوزراء.

في الجهة المقابلة، كان القضاة في المحاكم الشرعيّة ينتظرون على أحرّ من الجمر أن يلقي وزير الإعلام رمزي جريج، أمس الأول، مقررات مجلس الوزراء بعد انتهاء الجلسة، معتبرين أنّ ما فعله دريان هو أشبه بـ «تهريبة».

كيف حصل ذلك؟

يشير متابعون داخل المحكمة إلى أنّ دريان فاتح الرئيس سعد الحريري بالأمر على عجل، ليوافق الأخير بالقول: «افعل ما تراه مناسباً». بقي الأمر بينهما حتى وصل الخبر إلى «السادات تاور». ثارت ثائرة الرئيس فؤاد السنيورة الذي اعتبر أنّ تعيين عسّاف سيحدث خضّة داخل المحكمة لبقائه فيها حوالي عشرين عاماً.

أما إجابة الحريري فكانت أنّ دريان «بقي لسنوات طويلة داخل المحكمة وهو الأعلم بأمورها والأقدر على اتخاذ القرارات التي تعنى بها»، وفق ما يتناقل عدد من القضاة.

هذه واحدة من الروايات التي يتناقلها القضاة داخل المحكمة، فيما يلفت آخرون الانتباه إلى أنّ السنيورة لم يراجع الحريري وأن دريان سار بالموضوع بعد أن التقى الحريري في «مسجد الإمام علي» في الطريق الجديدة حيث عرّفه على عسّاف وأخبره بشأن استحقاق الانتخابات، فردّ الحريري «أنت الأدرى بالأمر»، ثمّ مشى.

وهكذا فهم دريان أنه انتزع موافقة «الشيخ سعد». فيما قام بعض القضاة بمراجعة مقربين من الحريري ومنهم مدير مكتبه نادر الحريري ليتبيّن أن لا علم لهم بالأمر وأنّ ما قاله الحريري هو عرضي، وأنّ تنسيق الموضوع جرى بين دريان وبوجي وبمعزل عن تمّام سلام أو السنيورة.

برغم ذلك، تنفّس زملاء عسّاف الصّعداء حينما تأكّدوا أنّ الوزراء لم يبحثوا في أمر التعيين، وبات السؤال داخل المحكمة: «هل فعلاً وقّع مجلس القضاء الشرعي الأعلى على تعيين عسّاف خصوصاً أنّهم حاولوا الحصول على نسخة من محضر الاجتماع من دون أن يفلحوا. وإذا حصل لماذا لم يتمّ عرضه على جلسة مجلس الوزراء؟».

تختلف السيناريوهات عند القضاة المعارضين لـ «رئيس الإنابة» للردّ على هذه الأسئلة. بعضهم يعتقد أنّ السنيورة استطاع التأثير على مشروع المرسوم في لحظاته الأخيرة وعطّله، لافتين الانتباه إلى أنّ ذلك يعني أن تحترق مراكب عسّاف بانتظار الجلسة المقبلة للحكومة، خصوصاً أنّ «سماحته» لم يؤمّن للتعيين دعماً سياسياً من السنيورة أو سلام ولا حتى دفعاً قوياً من الحريري.

ومهما يكن من أمر، فإنّ المتابعين يشيرون إلى أنّ المرسوم يمكن أن يلغى في الوقت الراهن، إلا أن ذلك يوحي بأنّ دريان كسب المعركة في وجه السنيورة. فالتعيين من عدمه لا يقدّم ولا يؤخّر طالما أن «مرشّح دريان»، وفق ما يتناقلون، بات رئيساً «بقوّة» الإنابة وهو يتصرّف وكأنّه الرئيس الأصيل بانتظار المرسوم الرسمي أو التوافق على اسمٍ جديد.