IMLebanon

لبنان يُلاحق «الطاقات الإغترابية» في أفريقيا وأدغالها

قد تكون مشقّة السفر إلى جنوب أفريقيا للوفد الإعلامي المرافق لوزير الخارجية جبران باسيل مستغرَبةً في نظر البعض، خصوصاً أنّ المسافة البعيدة التي تفصل لبنان عن جنوب القارّة الأفريقية تمنع أبناءَه من التواصل الاجتماعي والاقتصادي أو السياسي بنحوٍ مستدام، وتَجعلهم مكتفِين بالتواصل مع البلدان الأوروبية الأقرب إليهم جغرافياً واجتماعياً.

إلّا أنّ اللقاء المميّز الذي أعدّه أبناء الجالية اللبنانية المقيمين في تلك البلاد منذ عشرات السنين، والحفاوة التي أحاطوا بها الوفد اللبناني، أنسَت الفريقَ الإعلاميّ مشقّة السفر بساعاته العشر المضنية، والانتظارَ في المطارات قبل الوصول إلى جوهانسبورع وبلوغ الهدف من هذه الرحلة الطويلة والشاقّة.

فاللبنانيون الأفارقة توافدوا من مختلف البلدان الأفريقية القريبة والبعيدة للمشاركة بحماس في أعمال مؤتمر الطاقة الاغترابية الثالث المنعقد في فندق هيلتون في جوهانسبورغ، البعض أتى لشوقِه إلى سماع أخبار بلاده الحبيبة، والبعض الآخر قطعَ مسافات طويلة، إذ إنّ المسافات بين بلدان القارّة السوداء يتجاوز بعضها 7 ساعات، إلّا أنّهم أتوا لاستقبال اللبنانيين القادمين متشوّقين للمشاركة في المؤتمر، وبفرح اللقاء قال بعضهم لـ«الجمهورية» إنّهم سُعداء ومتلهفون للقاء نظرائهم من رجال الأعمال، وللإدلاء بآرائهم وأفكارهم لِما فيه خير لبنان، وللاستفادة من أفكار وطاقات رجال أعمال آخرين لم يلتقوهم منذ زمن طويل.

أمّا اللفتة الطريفة فكانت من عوائل الذين قدِموا بعفوية إلى الفنادق التي نزلَ فيها الفريق الإعلامي المرافق لوزير الخارجية وعرَضوا على الزملاء خدماتهم ومرافقتَهم في زيارات سياحية داخل «بلدهم الثاني» جوهانسبورغ ودعوتهم إلى قضاء الوقت مع عوائلهم في جوهانسبورغ منذ عشرات السنين.

تَجدر الإشارة إلى أنّ الوجود اللبناني في أفريقيا يعود إلى 1875، أي عمرُه أكثر من مئة وأربعين سنة، وتحديداً في جنوب أفريقيا. أمّا في غانا ونيجيريا فبَدأ عام 1984 وقد اختلف مع الحقبات وحسب النظام السياسي في كلّ دولة وحسب الانقلابات.

75% من الوجود اللبناني هو للطائفة الشيعية و20 % مسيحيون و5 % من بقية الطوائف. أمّا في الأعمال فيسود تكافؤ مشترَك، في «الكوت ديفوار» هناك 190 ألف لبناني، 2000 مسيحيّون، أمّا رجال الأعمال المسيحيون فهم أقوياء في المجال الاقتصادي في اعمالهم، لكنْ في نيجيريا هناك تكافؤ في العدد والأعمال.

والجالية المسيحية الكبرى موجودة في جنوب أفريقيا ومتراصّة بعضها إلى بعض. ومِن بين 150 ألف لبناني هناك 20 ألف ماروني يشكّلون جالية قديمة جداً، والقلائل منهم يتكلّمون اللغة العربية.

وقد بدأ تسجيل المغتربين في جنوب أفريقيا في أيار الماضي لدى زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للمنطقة، وأطلقت المؤسسة المارونية للانتشار إشارةَ العمل والإنتاج والتسجيل، وكذلك بدأ تسجيل اللبنانيين في السنغال أيضاً.

وعام 2014 بدأت الأبرشية المارونية بتسجيل الرعايا في جنوب أفريقيا الموجودين فيها منذ 1905 عندما شكّلت الرعية الأولى في جنوب أفريقيا.

ويبلغ عدد اللبنانيين في جنوب أفريقيا 25 ألف، وغالبيتُهم من الجيل القديم.

أمّا في افريقيا الغربية والوسطى فعددُهم كبير ويبلغ 350 ألف، بينهم نحو 70 ألف مسيحي، فيما البقية الغالبة هي من الطائفة الشيعية، وكذلك من السنّة والدروز.

أمّا الثقل الاقتصادي فهو في أفريقيا الغربية والوسطى، مِثل نيجيريا وغانا والكوت ديفوار وبوركينا فاسو وتوغو ومونروفيا وليبيريا التي تجمع أهمّ رجالات الأعمال، ومالي التي يقوم اقتصادها على رجال الأعمال اللبنانيين.

فاللبنانيون بلا شكّ عرفوا «من أين تؤكَل الكتف»، وعرفوا كيف يبنون علاقات هادفة ومفيدة.

تجاربُ كثيرة وقصصُ نجاح متميّزة أطلعَنا عليها كثير من رجال الأعمال الذين قابلتهم «الجمهورية» في جوهانسبورغ، والعاملين في مختلف بلدان القارّة الأفريقية، البعض منهم أتى من غانا ونيجيريا ودول أُخرى. والطريف أنّ غالبيتهم ركبوا القوارب أبّان الحرب الأهلية في لبنان، ولم يعرفوا كيف وصَلوا إلى أفريقيا وعملوا في مختلف الميادين بدءاً من الصفر.

فهناك عاملٌ ميكانيكي أصبح يمتلك شركة الـ BMW بعد 20 عاماً، وهناك العامل البسيط الذي أصبح من أهمّ رجالات البناء والذي يملك مصانعَ وشركات بناء كبيرة وشهيرة. لا تكفي بضعة أسطُر لسرد أسرار نجاح هؤلاء، إذ إنّ أعمالهم مطبوعة في إنتاجيتهم وشركاتهم الضخمة.

البعض قال إنّه هرب بسبب الحرب الأهلية، فهُم يشكرون الله على أنّهم غادروا ليصنعوا مجداً لهم ولبلدِهم. وبعض آخر منهم أشار الى ضرورة التمييز بين أفريقيا وجنوب أفريقيا، معتبراً أنّ جنوب أفريقيا هي أوروبية وليست أفريقيّة مئة في المئة.

السيّد أبو جودة جاء كعاملٍ، وبدأ بشراء أسهُم، وبعدها اشترى شركة ثمّ شركة أُخرى، وأصبح عمر شركته 32 عاماً، وهو يعمل اليوم على شراء شركات مأكولات ومطاعم حول العالم.

أمّا السيّد كارلوس سليم الهاشم فيقول إنه تركَ منزل والديه وفي جيبه 700 ليرة لبنانية، وكان يعمل 18 ساعة من 24 ساعة، وهو اليوم نائب رئيس مجلس الاتّحاد العربي للنقل البرّي وحكم دولي.

أبرز الأسماء المشاركة في الجولة الأولى الـ ECHO غروب التابعة لرجل الأعمال رونالد شاغوري أصله من مزيارة، وطوني طانيوس، وغيرُه مثل السيّد جرمانوس المقيم منذ 1953، والذي تمنّى لو عُقد هذا المؤتمر منذ زمن، وهو يؤكد أنه في المستقبل سيحقّق أهدافه لأنّ أشياء كثيرة مهمّة ستحصل بعد انتهائه.

وفي ما يخصّه هو كان يملك وكالة سيارات وغادرَ لبنان في عمر 12 سنة مع أهله عام 1953 من بلدة سبعل (قضاء زغرتا)، ترَعرع في جنوب أفريقيا بعد أن تفرّقَ خمسة أشقّاء في مختلف أقطار العالم وحقّقوا نجاحات في مختلف قطاعات الأعمال وهو اليوم يمتلك شركةً كبيرة متخصّصة بالبناء.

ويقول: «مِن «ميكانيسيان» إلى بيع السيارات إلى شراء محلّ للسيارات المستعملة وبعدها افتتحتُ وكالة سيارات الـ BMW وأمضيتُ 17 عاماً أحقّق الربح والنجاحات في مهنتي، وبعدها بعتُ الشركة وأسّست شركة بناء كبيرة».

أمّا السيّد جون شلالا الذي ولِد في جنوب افريقيا وأهلُه من لبنان الشمالي، فلديه اكبر شركة للعلاقات العامة والاستثمار، هو لم يبدأ بعد الاستثمار في لبنان، إلّا أنّه يقول إنه بعد مؤتمر «الطاقة الاغترابية» لديه الحماس للبدء بمشروعٍ ما في لبنان والاستثمار فيه، بعدما حفّزه كلام الوزير باسيل في المؤتمر وشَعر أنه أعاد له الأملَ في بناء لبنان يحلم فيه بأن يكون الأفضل.

عودة الى الجذور

أمّا الأبرز في كلمة باسيل التي أطالَ فيها الكلام بعد استطراد، وخرجَ عن النص المكتوب لشدّة تأثّرِه، فكان إعلانه الإصرارَ على العودة إلى أرض افريقيا بعدما سَحرته وشعَر حين يعود إليها بأنه يعود الى الجذور، وأنّ جذوره اللبنانية تعانق جذورَ الإنسانية في الارض التي شهدت مهد الإنسانية.

وأعلن أنه في حاجة الى قدرات أهلِها على الابتكار وأنّ اللبنانية هي التي تدفَعه الى العودة لربطِ كلّ منتشر بأرضه، وأكّد أنّه سيلاحق جميعَ اللبنانيين المغتربين وسيصرّ على تمثيلهم في المجلس النيابي، معلناً سعيَه وإصرارَه على أن يتمثّل المغتربون بـ 6 مقاعد في مجلس النواب.

أمّا البعض من جنوب أفريقيا فكشفوا لـ«الجمهورية» أنّ الدولة لم تطرق بابَهم منذ 70 عاماً، في الوقت الذي هم اليوم مستعدّون لدفع ألوفِ الدولارات لاستعادة الجنسية وترَحّموا على الرئيس كميل شمعون الذي وحده أَولى الاغترابَ أهمّية في الماضي. وأعلن باسيل لاحقاً خلال حفلة استقبال أقامها القائم بالأعمال في غانا «آزر خاتشادوريان»، عن مفاجأة بعودة خطوط «الميدل ايست» الى أفريقيا قريبًا.