IMLebanon

حتى لا يقتل لقمان سليم مرة ثانية بعد اغتياله

 

ماذا سيقول المطران عبد الساتر في عظة مار مارون عن الثورة والجوع والفساد والانهيار؟

 

 

الحزنُ مستحَقٌ على لقمان سليم لأسباب عديدة، وعلى سلسلة طويلة من أهل الرأي والقادة والنخب الذين قتلوا غيلة من دون أسباب سوى إيمانهم العميق برسالة لبنان، وسعيهم لتحريره بعدما أنهكته المحاور والتدخلات.

 

والحزن مستحق أيضًا على دولة مفقودة، وقضاء مستلب، وأجهزة متلهّية.. لم تستطع ان تكشف حقيقة واحدة من الاغتيالات العديدة التي لطخت تاريخ البلد وما تزال بممارسات حقودة تنتمي لعصر آخر!!

 

«اللهم قد بلغت»

 

محقون كانوا أصدقاء لقمان سليم في صرختهم ضدّ مسلسل جرائم الاغتيال السياسي، قرب نصب سمير قصير المقتول هو أيضا بحقد ودناءة، عندما اختاروا كلمته – الشهادة عنواناً لوقفتهم «اللهم قد بلغت»، معتبرين أنه «وثّق بها، منذ سنة فقط، وقائع جريمة اغتياله، منذ بدايتها قبل عشرة سنوات، وصولا الى احتمال اطلاق الرصاصات القاتلة في عقله وجسده… منذ أيام»، فهو سبق أن أعلن على الملأ، بعد أن بلغت الوقاحة والجرأة والتحضير للجريمة درجة إلصاق حكم الإعدام بحقه على جدار منزله، أن حياته مهدّدة، ومسؤولية حمايته تقع على الجيش والأجهزة الأمنية، لكن أجهزة أمن منظومة الفشل والفساد والميليشيا المرتهنة للخارج، لا تحمي معارضا صاحب رأي، ولا مواطنا مدنيا، وقد بلغ إهمالها وفشلها التورط بجرائم تنطبق عليها مواصفات الجرائم ضدّ الإنسانيّة كالذي حصل في مرفأ بيروت مساء 4 آب 2020.

 

لقمان سليم، المثقف والكاتب والناشر والمؤرشف والناشط، لم يكن مليشيويا ولا طائفيا، لكن في ظل غياب الدولة، والرئاسة، والسيادة، والمؤسسات، والأجهزة، والقضاء… هو رقم إضافي في سلسلة لا يبدو أنها ستتوقف. في ظل التصحّر والضحالة وسياسات التكاذب، وتسخيف الشأن الوطني حيث بات لبنان مسرحاً لحفلة جنون واسعة، في السياسة والاقتصاد والمال والأعمال والديبلوماسية والتعليم والطبابة والتجارة، وذهنية السوق السوداء طاغية ومتحكّمة ومتآمرة ومتواطئة، هنا تبدو مواقف الإستنكار غير كافية مهما كان سقفها عاليا، والمعنيّ بهذا الكلام ليس من تعودوا تدبيج عبارات الإدانة قبل الرقص على الدماء مع القتلة، بل الشعب الحرّ والمجتمعين العربي والدولي.

 

كلامُ المطران مطرانُ الكلام

 

تحصيلُ حاصلٍ القولُ بأن السلطة المتحكّمة اختارت، منذ انطلاق ثورة 17 تشرين، سلوك درب الكذب مع المبادرات الخارجية، واستخدام العصا الأمنية الغليظة للتعامل مع الانتفاضة ووجع الناس.. هكذا، وبعد مرور أكثر من سنة على صرخة الشعب، وعلى المبادرة الفرنسيّة، وأكثر من نصف سنة على جريمة المرفأ وعلى استقالة حكومة حسّان دياب.. لم تقدم سوى التضليل والتنكّر والانفصال عن الواقع، ولم تخطُ خطوة واحدة في سبيل الإصلاح أو كشف الحقائق بالرغم من سقوط دماء مئات اللبنانيين وآلاف الجرحى، وانهيارات بالجملة في كل القطاعات؟!!

 

ما الذي يمنع تشكيل حكومة مهمّة تنقذ ما يمكن إنقاذه سوى استمرار ذهنيّة المحاصصة، وسيادة نهج الفساد والنهب والسمسرة وتغطية السارقين والخصومة مع العرب والعالم بديلاً عن الاصلاح والتزام محاربة الفساد والشراكة مع الأسرة الدولية في مواجهة التحديات وتحقيق المصالح..

 

قبل سنة من اليوم، سجل تاريخنا الوطني صرخة للمطران بولس عبد الساتر في عظة قداس عيد مار مارون حيث وضع الإصبع على الجرح، فتحدث عن مواصفات الزعيم – رجل الدولة، صرخة الناس، الإصلاح وإلا فالاستقالة، منبهاً من حضروا أمامه بأن يهتموا بما سيقال عنهم بعد الرحيل.

 

كانت عظته الذهبيّة بمثابة صوت الشعب والحق والشجاعة. لأزمنةٍ سيذكرُ التاريخ قوله للحاضرين أمامه من كبار المسؤولين بما يشبه التقريع: «ألا يستحق اللبنانيون الذين وثِقوا بكم وانتخبوكم في 2018 ان تُصلحوا الخلل بالأداء السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي وان تعملوا ليل نهار، مع الثوار الحقيقيين، على إيجاد ما يؤمِّن لكلِّ مواطنٍ عيشةً كريمةً؟ وإلا فالاستقالةُ أشرَفُ».. لكن المفاجأة أن الحاضرين أمامه من المعنيين بالكلام.. صفقوا، نعم صفقوا كثيراً!!

 

الوحش لن يشبع!

 

اليوم، وبانتظار عظة المطران عبد الساتر وقد بلغت البلاد قعر القعر، ووصلت برعاية العهد البائس إلى جهنم، لا مناص من التذكير بأن السكوت عن التمادي بالجرائم وإفقار البلد وتدمير المؤسسات والدوس على الدستور يحتاج حلولاً من خارج الطريقة اللبنانيّة الفاشلة.

 

لقمان سليم وقبله كثيرون، لم يسقطوا ضحايا اغتيال جبان فقط، وإن كانوا نجوماً في سماء الوطن ومستقبله، هم سقطوا بفعل سطوة تحالف الميليشيا والمافيا (بحسب توصيف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون)، وهذا يستدعي تحركاً على مستويين: في الداخل على اللبنانيين الطامحين إلى إنهاء مأساتهم، دفع قوى الثورة إلى توحيد صفوفها في مواجهة المنظومة على قاعدة استعادة الدولة من خاطفيها، والبدء بإعادة تكوين سلطة شرعيّة مع خطّة إنقاذيّة حقيقيّة، أما في الخارج فعلى المجتمعَين العربي والدولي ممثلين بجامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي تأمين كل السبل والوسائل لحماية اللبنانيين من إجرام منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج، ودعم مطلب التغيير… وما سواه إطالة في عمر الوحش الذي لم ولن يشبع من دماء اللبنانيين والأحرار.