IMLebanon

الشّعب «المجروم»  

 

يشعر معظم اللبنانيّون أنّهم شعب مجروم، تمّ جرمهم كما يجرم اللّحم بفصل العظم عنه، وبالاستناد إلى لغة العرب فإنّ «الجَرْمُ هو القَطْعُ، جَرَمَه يَجْرِمُه جَرْماً قطعه وشجرة جَرِيمَةٌ مقطوعة وجَرَمَ النَّخْلَ والتَّمْرَ يَجْرِمه جَرْماً وجِراماً وجَراماً واجْتَرَمه صَرَمَه عن اللحياني فهو جارمٌ وقوم جُرَّمٌ وجُرَّام وتمر جَرِيم مَجْرُوم وأَجْرَمَ حان جِرامُه»، قد نكون أكثر بكثير من شعب «مجروم» كذلك قد تنطبق علينا صفات مثل مطحون ومسحوق ومدقوق، وللمناسبة قد نكون أيضاً «شعب مفصوم»!

 

لطالما ضحكنا لطرفة الرّجل الذي يخاف من الدجاجة، وانه كلما رأى دجاجة فرَّ منها؛ لأنه يظن نفسه حبة قمح، وأن الدجاجة تريد أن تأكله، المهم عولج الرجل ولم يعد يظن أنه حبة قمح، ولكنه استمر في الهرب كلما رأى أي دجاجة، ولما سئل: لماذا يهرب وهو لم يعُدْ يحسب نفسه حبة قمح؟ قال: «أنا مقتنع أنني لست بحبَّة قمح، ولكن هل الدجاجة مقتنعة بذلك؟».. يشعر اللبناني أنّه حبّة قمح، والدجاجة قد تكون الدولة أو الحكومة أو حال التلف العام التي يعيشها أي مواطن إن ذهب ليدفع للدولة مستحقاتها يشعر بأنّه يلهث ليلتزم القانون والمهل ودفع ما يتوجّب عليه من مستحقّات، فيما يتصرّف موظفو الدولة وكأنّهم «آلهة» تعذيب هذا المواطن.. أيّاً كان قد يكون الدجاجة، ولكن المواطن يشعر دائماً أنّه حبّة القمح المنقودة!

لا يقتصر المرض العقلي أو النفسي، على حال عامة عند غالب المواطنين، ثمة ذهان معروف باسم ابوأنثروبي Boanthropy، وأشهر من أُصيب به تاريخياً ملك بابل نبوخذ نصر الذي خرج الى المراعي يأكل الأعشاب، وهو توهّم غريب جداً يخال معه المصاب نفسه بقرة أو ثوراً، والبعض يعتقد أن هذا الاضطراب يبدأ بحلم ويتطور كي يستمر في اليقظة والوعي أيضاً، ليصبح مع الوقت جزءاً من واقع المريض الذي تغدو تصرفاته مشابهة لتصرفات البقرة أو الثور كأن يأكل العشب مثلاً!

ينسب قصة للطبيب الفيلسوف ابن سينا أنه عالج مريضاً كان يعتقد أنه بقرة، ويطلب من أهله أن يذبحوه رافضاً الطعام والشراب إلى أن يفعلوا ذلك، تعامل ابن سينا مع هذا المريض بأن قدِم إليه ومعه السكين وأمر بربطه ليذبحه، وما إن همّ بذلك إلا قال لهم إن هذه البقرة ضعيفة ويجب تسمينها لكي تذبح. وبدأ المريض يأكل بشهية مفتوحة لكي يتم ذبحه سريعاً، ومع الأكل الذي كان قد توقف عنه سابقاً بدأ يستعيد قوته وعافيته وشفيت أعصابه بل شفي تماماً وعاد لصوابه… وهذا الأسلوب الذي اعتمده ابن سينا يعرف بأسلوب العلاج بالتخييل، بزرع صور معينة في ذهن المريض نفسياً تساعده على تجاوز الحال التي يعيشها.

كيف نتجاوز في لبنان حال المريض الذي يشعر أنه بقرة ويطلب أن يُذبح ـ مع فرط إحساسنا بأننا نعامل على هذا الأساس وليس في الحال مرض نفسي أو عقلي ـ أو من حال الإحساس بأننا حبّة القمح، أساساً درسونا وقشرونا ونقدونا، كيف نتجاوز هذه الأحاسيس، قد نكون كشعب بحاجة إلى شعب من الأطباء المعالجين يكونون بمستوى الفيلسوف الطبيب ابن سينا، ومعه مئات من الطبيب أبو بكر الرازي، وقد لا نشفى!