IMLebanon

حوار وانهيار

 

تعود نغمة الدعوات إلى الحوار مجدّداً لتتصدّر واجهة الازمة الرئاسية اللبنانية، مع فارق عن الدعوة السابقة للرئيس نبيه برّي للحوار التي كانت مشروطة بلازمة التوافق على مرشّح المُمانعة وبحصر الحوار بالمحاصصة، بأنّ فكرة الحوار الحالي تأتي برعاية مجموعة الدول الخمس العاملة لأجل لبنان. أمّا الهدف الدائم لمحور المُمانعة من عقد هذه الحوارات، أكانت داخلية الادارة أو خارجية، فهو إلهاء المتحاورين بالنقاشات حول الأمور والشؤون الداخلية الادارية وحول اقتسام مؤسسات الدولة، وإبعادهم بحججٍ من ابداعات مطابخ المحور الناشطة، عن البحث أو التداول بالشؤون الاستراتيجية، أي التوجّه في العلاقات الخارجية والاختيار في الاصطفافات الاقليمية غرباً او شرقاً، وإبداء الرأي في الملفّ العسكري والأمني والقضائي والرقابة والمحاسبة في السياسة المالية الهدرية، وبالطبع احترام الخطوط الحمر الاعلامية ( المُحرّمات )، ومن ضمن كل ذلك منع التعاطي السيادي والشفّاف مع ما قد يستجدّ من مفاجآت كانفجار المرفأ، و»زحطات» كمغامرة الطيونة، واحداث تهريبية على حدود الوطن، خاصةً على الشرقية والشمالية، الا عندما يزيل محور المُمانعة الغطاء عن بعض المتعالين على توجيهاته (الانظمة البوليسية تُصفّي وتبيع مرتزقتها من وقت لآخر درءاً لاخطارهم عليها).

 

اذاً، انتقل محور المُمانعة في مرحلة ما بعد زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان إلى توسيع مفهوم الحوار، من حوارٍ بإدارته إلى حوارٍ بإدارة اللقاء الدولي الخُماسي يضاف اليه الطرف الايراني، فتوضّحت الصورة أكثر حيث قطع المحور خطوةً أخرى نحو مراده، بمحاولة شبك جميع الأطراف الداخلية والخارجية المؤثِّرة بتسويةٍ شاملة تُفرض حول الرئاسة والنظام والادارة والتمويل. أمّا تطبيق بنود التسوية وفصولها فتُمسكها لاحقاً الدول الأكثر اهتماماً بالداخل اللبناني لتُصبح بشكل عملي القوة السياسية الرادعة للمجموعة الخُماسية ولتستكمل التنفيذ بشكلٍ أعور. تماماً كما حدث في تسعينات القرن الماضي بعد اتفاق الطائف، حيث أُنشئت قوات ردع عربية لضمان تنفيذه، فغادرت الاطراف الاقليمية التي شاركت في قوات الردع لتبقى القوة العسكرية السورية الأكثر اهتماماً بالداخل اللبناني والأكثر تأثيراً عليه، كون الساحة اللبنانية تُعتبر الحديقة الخلفية والاستراتيجية لها، فتحوّل تطبيق الاتفاق دستوراً مشوّهاً بضابط ايقاع سوري.

 

ولأنّ النظام القائد لمحور المُمانعة حالياً هو النظام الايراني، ولأنّ مُمثّل هذا المحور هو «حزب الله» اللبناني، فيستلم هذا الحزب السلاحي قيادة وضع مندرجات التسوية موضع التنفيذ بما يرتاح له من الاتفاق، وهذا يعني أنّه سيُدار من حارة حريك كما كانت ادارة اتفاق الطائف من قصر المُهاجرين. وكما اغتال واعتقل وهجّر النظام الأمني السوري ـ اللبناني المُشترك حينها معارضي التطبيق الملتوي، سيقوم أركان التسوية بفرض فوضى دستورية تُلائم مخططاتهم لابقاء لبنان قاعدة ناجحة وقوية وصلبة لدعم تحرّكات المحور المُمانع اقليمياً.

 

حوار بهدف الإخضاع والإنصياع، ورهان على التمايز الطبيعي بين الأفرقاء المعارضين لمحور المُمانعة، وحوار تسويات إرضائية سلطوية مشابهة لتسويات الحكومات الوطنية الشاملة المُمانعة للمحاسبة والمُسقطة لنتائج الاستحقاقات الانتخابية، حوار لالغاء امكانية تحديد الأخطاء وكشف مُسبِّباتها ولتعميم سياسة الشمولية الاتهامية، وحوار لتبرئة المُخالفين والمعتدين على سيادة المؤسسات، وحوار لتجميع كافة الاطراف المُشاركة في السلطة ضدّ الشاذّين والرافضين للمسارات التسووية، وحوار لن يؤدّي الّا ألى ضرب الانتظام العام، ورصّ الطبقة السياسية المؤلفة من مُخضرمين وعتيقين واحزاب ومستقلّين وتغييريين وحالمين في مسرحية انتاج اتفاق جديد، لن يكون طبّاخوه مؤهّلين اكثر من طبّاخيّ اتفاق الطائف. وبالنهاية، حوار لا يحترم أهمّ شرط من شروط الحوارات الحقيقية وهي احترام الآخر بفكره وثقافته ورؤيته، وهذا بدوره يعني احترام الديمقراطية والقوانين والمؤسسات. العبرة تبقى دائماً في التنفيذ.

 

الحوارات المطروحة تُعقد عادةً بين الأعداء أو المُطلّقين أو المفترقين، أو بين دولتين متحاربتين، امّا الخلافات الداخلية الوطنية فحواراتها تجرى من خلال المؤسسات الوطنية التي يرعاها الدستور والقانون، أمّا حين تذهب الأطراف الداخلية إلى حواراتٍ متكرّرة لوقف العمل بنتائج الاستحقاقات الديمقراطية فهذا يعني سقوطاً للشراكة الوطنية وفشلاً في العلاقة الوطنية وطلاقاً بين فئاته. والحل لن يأتي من خلال حوارات كهذه، بل الانهيار هو النتيجة، وعند تكرار الاخطاء، يأتي الانهيار الحقيقي الذي لا رجعة عنه.

 

(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»