IMLebanon

ميلاد جديد للوطن

«… وكان في تلك الناحية رعاة يقيمون في الحقول، ويسهرون في هجعات الليل على قطعانهم. فإذا بملاك الرب قد وقف بهم، ومجد الرب أشرق حولهم، فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك:» لا تخافوا ! فها أنا أبشركم بفرح عظيم للشعب كله، لأنه وُلد لكم اليوم مخلّص، هو المسيح الرب، في مدينة داود. وهذه علامة لكم: تجدون طفلاً مقمّطاً، مضطجعاً في مذود!» (لوقا 1/2- 20).

نتمنّى في زمن الميلاد أن ينعم الجميع، مسلمين ومسيحيين بما ترمز إليه المغارة، من حب وتواضع، قناعة وقبول بمشيئة الرب، صبر وإيمان وأمان، تفاني وقدرة على التحمّل، وذلك ببساطة بفرح عظيم. فالشعب اللبناني ينتظر في موسم الأعياد رعاة يسهرون في هجعات الليل، يزرعون الأمان والسلام، بعيدا من مصالحهم الخاصة، متجنّبين الصراعات الضيقة؛ رعاة يضعون نصبَ أعينهم ذاك الوطن الصغير، على شكل مغارة؛ للشعب كله يعملون.

هدية للعهد الجديد

وُلد لنا اليوم مخلّص، وتزامناً وُلدت لنا حكومة، كهدية للعهد الجديد الذي زيّنت شجرته بالآمال الكثيرة، وعلّقت عليها عهود ووعود جمة. فلتكن يا رب ولادة هذه الحكومة بمثابة ولادة مخلص لبلدنا، لتكن هذه الولادة علامة لنا، كالطفل المقمّط، وليكن مكوّنوها كالجند السماوي. ثلاثون وزيراً ألّفوا شجرة عيد الوطن، ثلاثون بمهام وحقائب مثقلة، متساوية من حيث المسؤولية والإلتزام والعطاء.

المهمة الأساسية لهذه الحكومة، هي العمل على قانون إنتخابي للإستحقاق الملحّ، إنتخاب المجلس النيابي بعد أشهر قليلة، وهي بذلك في سباق مع الوقت، إذ إنّ العمل كثير والفعلة قليلون. إلّا أننا نطلب من الله، أن يتحلّى المسؤولون جميعاً، من رأس الهرم إلى أسفله، بصفات على أساسها تُبنى الأوطان، كالإيجابية والتفاني وحسن التعاطي. من تحت الردم سوف ينتفض هذا الوطن، بسعي معاليكم، لإيصاله إلى الحكومات المقبلة، أكثر صلابةً وصموداً.

أدوار ومهمّات

لا بدّ من البَدء بالأمر الملحّ والدائم، تحت رعاية وزير الدفاع (يعقوب الصراف)، ألا وهو صون كلّ حدود دون استثناء، بالإضافة لدعم الجيش والقوى الأمنية، رمز الوطن والكيان. كما لا يخفى على أحد أنّ أزمة النفايات من الإستحقاقات التي تنتظر على أحرّ من الجمر الحلول على يد وزير البيئة (طارق الخطيب)، ودور وزير الصحة (غسان حاصباني) في الحدّ من انعكاسات ذلك على الصحة العامة، والمتابعة في ملف بدأه سلفه حول الحق في الطبابة المجانية لمَن هم فوق سن الـ64. أما وزير شؤون المرأة (جان أوغاسابيان)، فعلى أكتافه تئنّ المرأة اللبنانية ظلماً في مجتمع ذكوري تائه بين الحضارة والثقافة، بين ما توارثه عن الأجداد والآباء، وقوانين متحجّرة وبالية لا تتماشى مع العصر الحالي.

والأبناء، فعلى عاتق وزير التربية والتعليم العالي (مروان حمادة) تقع مسؤولية تربيتهم السليمة في المدارس والجامعات، بأنظمة عصرية تتماشى مع حاجاتهم وطموحاتهم. وتنتظر وزير الدولة لشؤون النازحين (معين المرعبي) أزمة ضيوفنا السوريين وغيرهم، لتأمين حاجاتهم الإنسانية والتفاعل بحكمة مع الموضوع، مع التنسيق مع وزير العمل حول مشكلة الشباب اللبناني الذي يحارب بلقمة عيشه من قبل الشباب اللاجئين.

والعدل أساس الملك، بمجهود وزير العدل (سليم جريصاتي) نتأمل بفصل الجسم القضائي عن السياسة وزيادة عدد القضاة للنظر والبتّ في ملفّات المساجين الذين يمضون محكوميّتهم قبل إصدار أيّ قرار بحقهم؛ بالإضافة إلى تحسين وضع السجون. وعلى رأس توقعاتنا، موقع لبنان على الخريطة الدولية، ونظرة المجتمع الدولي الإيجابي له، بعهدة وزير الخارجية (جبران باسيل).

أما الوزير علي حسن الخليل، فهو مؤتمَن على حقيبة المالية، والعمل على حلّ مشكلة الدين العام ومراقبة الميزانية العامة. كما نعوّل في عودة الشباب المهاجر، وإيجاد عمل للشباب المقيم، والقيام بالمشاريع المناسبة، بالتعاون مع الدول المتقدّمة على وزير الصناعة (حسين الحاج حسن)، ووزير الزراعة (غازي زعيتر)، في بلد كان يُعرف بلبنان الأخضر. ويضع اللبناني بين يدي نائب رئيس الحكومة، وزير الصحة (غسان حاصباني) أغلى ما يملك، صحته.

وحقيبة الشؤون الإجتماعية (الوزير بيار أبو عاصي)، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشؤون النازحين، شؤون المرأة، البطالة والبيئة. وكذلك سائر الحقائب، إذ لا بد من التعاون فيما بينكم لخدمة الوطن، وإرسائه على برّ الأمان.

آمال وتطلّعات

نأمل أن يأخذ الوزراء في هذه الحكومة بآراء الإختصاصيين وذوات الخبرات والطلاب والموهوبين، في خلق مشاريع جديدة، على جميع الأصعدة، وفي إيجاد حلول للمشكلات التي نواجهها، وذلك من خلال تشكيل مجموعات تسمح للجميع بطرح أفكارهم وإيصالها، بعيداً من الإحتكار في المراكز والوظائف والتمثيل، منعاً للحدّ من الإبداع والعطاء والنجاح، الذي يصبّ أولاً وآخراً في مصلحة لبنان.

كما أنّ دور وزير الشباب والرياضة ثمين في العمل على إبعاد العدوانية والتعصّب من الملاعب والمدارج الرياضية، ودعم حضور الشباب اللبناني الذي يملك كلّ المقوّمات، في الرياضة العالمية، باستثناء دعم ومرجعيّة من قبل دولته.

وبين الوزارات كافة تتشارك مسؤولية المستوى المعيشي للفرد في لبنان، وعدم قدرة المواطن على العيش بكرامة، على رغم الكدّ والتعب والعمل في وظيفة وأكثر، فالحاجات تفوق المدخول بكثير.

بالإضافة إلى آفات الفساد الإجتماعية والتفكّك الأسري، من تعاطي وإتجار بالمواد المخدّرة والبشر، والتمادي في غياب الرقابة الإجتماعية. ولن ننسى التطرّق لموضوع الفوضى وتجاوز القوانين، بالإضافة إلى «الواسطة» التي تمعن في إفشال المؤسسات العامة والخاصة.

ومناطق الريف التي تعوي وحدة، تنتظر المشاريع الزراعية والصناعية، والمراكز الحكومية، وتتأمل إقامة المستشفيات والمدارس والجامعات، فيعود إليها أبناءٌ غادروها إلى المدينة، وشباب نقدّمهم إلى بلدان أخرى على طبق من فضة.

والبحر والبرّ، والماء والكهرباء؛ وإصلاح مرتكبي المخالفات والأعمال العنفية، ناهيك عن المدمنين على المخدرات وإدمانات أخرى كثيرة رائجة، وعدم زجّهم عقاباً لهم في السجون المليئة بالفساد والعنف والإجرام، فنقترب شيئاً فشيئاً من مجتمع صحيح معافى، و… واستحقاقات إجتماعية لا تحصى ولا تعد.

بلد شبيه… بمغارة الميلاد

أما الشأن العام، فيحتاج إلى لمستكم، وزير الداخلية والبلديات، على صعيد الشأن الداخلي من قوى أمن، أمن داخلي وأمن دولة؛ وإداري، من خلال حث المحافظين، المجالس البلدية والمخاتير على خدمة مناطقهم ومصالح أهلها، بعيداً من التطرّف والتحزّب والتمييز، وبعيداً من المصالح المبيتة والرشوة.

ونأمل من وزير الإعلام (ملحم رياشي) السعي لوضع ضوابط للإعلام المرئي والمسموع، والحدّ من التجريح في البرامج المباشرة، بالإضافة لفتح الطريق أمام أصحاب المواهب والقدرات، وإيقاف البرامج الرخيصة أخلاقياً، والتي لا تليق بنقل صورة اللبناني إلى العالم.

نحن نعلم كشعب بأنّ حكومتكم الحديثة هي حكومة القانون الإنتخابي، وأنه لا وقت كافياً لدى معاليكم للعمل على الملفات الكثيرة العالقة، لكن كلّنا أمل بحكمتكم وقدرتكم في اختيار وتشكيل المجموعات الداعمة والمساعدة لكم. كما أننا على يقين بأنكم سوف تتفانون في العمل ليل نهار لإنجاز ما يمكن إنجازه. وليكن عيداً مباركاً على لبنان، وليكن هذا البلد شبيهاً بمغارة الميلاد، مغارة المحبة والفرح والأمل والعطاء.