IMLebanon

أمنُ الدولة والمسيَّراتُ المفخّخة

 

 

سأَلتُ مركزَ «الدوليّة للمعلومات» فأجاب: بأنَّ هناك ما يزيد على أربعة آلاف رجـل أمن لبناني، موزّعين كمرافقين على: الرؤساء والقيادات والزعامات والنواب والوزراء والقضاة ورجال الدين، وبعضِ المحظوظين من أصحاب الجـاهِ والنفوذ.

 

مهمّةُ هذا الحشد من الحرس الأمني أنْ يحافظ على حياةِ الذين لم يحافظوا على حياتنا، وليس ما يمنع عند الضرورة من أنْ يتولّى رجال أمـنِ الدولة تأمينَ الحاجيات اليومية لسيدات البيوت، ويرافقوا الأبناء المراهقين إلى المراقص اللَّيلية.

 

ليس كلُّ حرسٍ أمني من شأنهِ تأمين الوقاية من الخطر، فقد يكون أيضاً مصدراً للضرر… هل هناك رهبةٌ تفوق عظمة «نابوليون»..؟ ومع هذا، كانت زوجتهُ جوزفين، ترتكب الخيانة مع أحد حرّاسها الجنود.

 

لم تقتصر مهمّةُ قـوى الأمن على أن تؤمّن للمستهدفين الحماية من الإغتيال، بلْ كانت أيضاً تـؤمّن للمتَّهمين الحماية من الإعتقال، كمثل ما كان مع حاكم مصرف لبنان السابق، وبعضِ النواب الذين صدرت ضدّهم مذكرات التوقيف، وأحد المستشارين المتورطّين من جهاز أمـن الدولة.

 

أيَّ حماية حقَّقها المرافقون الأمنيّون لكبار شهداء الرجال من الرؤساء: بشير الجميل، رينه معوّض، رشيد كرامي، رفيق الحريري، كمال جنبلاط، المفتي حسن خالد، واللواء فرنسوا الحاج، إلى كوكبة واسعة من النواب والسياسيين والصحافيين ورجال الدين، وقد استُشهدتْ معهم مواكب الحمايات..؟

 

إنّ ما بلَغَهُ التطوّر التكنولوجي في مجال تقنيّة التفجيرات، وما نشهدُهُ على غير ساحة من اغتيالات تستهدفها المسيَّراتُ من الفضاء على الأرض، هذا، يجعل كلّ الحمايات الأمنية مشروعَ شهادةٍ للمستهدفين والمرافقين معاً:

 

بعضُ الشهداء الأحياء الذين نجَـوْا من الإغتيال، لم يكن ذلك بفضل حَرسِ الأرض بل بفضلِ حـرسِ السماء.

 

وهناك مَـنْ كان نباتُ الأرض لَـهُ حارساً، حين انحنى لقطفِ قمـر الورد في الوقت الذي عبَرَتِ الرصاصةُ فوقـه، وبهذا تكون الوردةُ أكثرَ فعاليةً من الحرَس.

 

يقول جبران خليل جبران: «وردةٌ واحدةٌ لإنسانٍ على قيد الحياةِ أفضلُ من بـاقةِ وردٍ كاملةٍ توضَعُ على قبْـره…».

 

نحنُ، نُنْفِـقُ الأموال الطائلة على ألـوفِ رجال الأمن بهدف الحماية الوهميّة لأهل السلطة الوهميّين، فيما الجنوب يحتاج إلى ألوف المتطوّعين لحماية الحدود، وفيما البلاد تعيش حالـةً بائسةً من استفحال جرائم القتل والخطف والثأر والسلب والتهريب والدعارة والإغتصاب، مع هذا الزحف الصاخب من القراصنةِ والنازحين.

 

أحـدُ وزراء الخليفة هارون الرشيد حين رآه يُنفق الأموال الطائلة على الحرس والجواسيس بهدف الحماية الأمنية قال: «إنّـك يا أمير المؤمنين تذكّرني بالراعي الذي خـاف على غنَمِـه من الذئاب فاستقدم لحمايتها الكثير من الكلاب، ولكنّه اضطر بعد ذلك أنْ يذبح نصف قطيعه لإطعامها…».

 

أيّ جدوىً من الحماية الأمنية، والدولة الحاميةُ باتت تحتاج إلى حماية..؟ بحيثُ لم يعُدْ أمـام سائر الكائنات الحيّـة من مجالٍ للدفاع عن النفس إلا مبدأ الغريزة الذاتية، وبهذا يقولون: إنَّ الوردةَ تتسلّح بالشوك لحماية نفسها، والثور يتسلّح بقرنيهِ، والجواد يرفس برجليهِ، والسُمُّ عند الأفعى سلاحُ وهجومٍ ودفاع.

 

ونحن نخشى مع استمرار الإنحلال أنْ تتعطّل فينا غريزةُ الدفاع الذاتية، ولا يبقى عندنا منْ سلاحِ دفاع وهجوم إلاّ سلاحُ الأفاعي.