IMLebanon

 الإرهاب يُغيِّر العالم

لا تبدو الصورة ورديّة على رغم اندفاع روسيا بشكل مباشر للضغط على الطرفين الاقليميّين الأقوى في سوريا، بهدف إرساء قواعد وأسُس لخريطة طريق تؤدي الى تسوية سلمية.

على رغم أنّ المخاطر موجودة في السياسة، لكنّها ترتكز حالياً وربما لوقت طويل مستقبلاً على الأمن، وقد تكون هذه المخاطر الأمنية المرتفعة هي من أسباب دفع وحضّ القوى والأطراف على الانخراط في مفاوضات سلمية.

صحيح أنّ هزيمة حلب التي تلقّتها التنظيمات المسلّحة تعطي دفعاً للانتقام من خلال عمليات ارهابية، لكنّ الواقع الفعلي أبعَد وأصعب وأكثر تعقيداً، ذلك أنّ تنظيم «داعش» الذي أنشأ «دولته» وحصل على قدرات مالية لا يزال يحتفظ بجزء كبير منها، اضافة الى تقنيّات متطورة وأسلحة نوعية وخطيرة، بات يُدرك جيداً أنّ التناقضات الاقليمية التي سمحت له بإنشاء دولته ما بين سوريا والعراق أجمَعت على أنّ «وظيفة» بقاء «دولته» لم تعد قائمة وأنّ الاقتسام جَار على تِركَته، تماماً كما حصل في «سرت» الليبية حيث أنهى الجيش الليبي بإشراف أميركي مباشر «دولة داعش» في ليبيا بعد معارك دامت زهاء السبعة أشهر، وهو المكان الذي كان قد جهّزه التنظيم لنقل دولته إليه في حال خروجه من سوريا والعراق. لكنّ مشكلة الارهاب لا تنتهي هنا، لا بل العكس فهي تبدأ الآن.

فإنهاء حضور «داعش» في سرت لأسباب تتعلق بحماية أوروبا وأمنها، وهو ما شكّل على الدوام هدفاً أساسياً ومركزياً لـ«داعش»، سيدفع التنظيم الارهابي إلى العودة لتنشيط عمله الارهابي بعيداً عن الأنظار وتحت الأرض، وهو ما يعني تصاعد عمليّاته الإرهابية من خلال خلاياه في ليبيا ومصر التي شهدت عمليات نوعية أخيراً، إضافة الى كامل شمال افريقيا حيث إمكانات تجنيد الشبان وإنشاء الخلايا السرية كبيرة ومتوافرة.

وبالعودة الى سوريا والعراق، فإنّ وضع «النصرة» على لائحة الارهاب دفعها للعودة الى وجهها الحقيقي وتنفيذ عمليات إرهابية حيث تدور شبهات حول دورها في عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة.

خلال الأيام الماضية وبعد الضربات المتلاحقة والنوعية التي استهدفت الساحة المصرية، تنقلت العمليات الارهابية بين الاردن وتركيا والعراق والمانيا إضافة إلى عملية طاولت المركز الاسلامي في زوريخ في سويسرا، لا يزال بعض جوانبها غير واضح. الواضح أنّ أمر عمليات «داعش» صدَر لخلاياه بالتحرّك أملاً في تحقيق الضغط ورفع معنويات كوادره بعد رصد حالات فرار.

الأمن الأوروبي الذي باشَر بإعادة تنظيم نفسه في العامين الأخيرين، أنجَز فرقاً متخصّصة للإمساك بالحدود البرية والبحرية بين اليونان وتركيا والتي شهدت تسلّل عناصر إرهابية من خلال النازحين السوريين غير الشرعيين، لكنّ ذلك لم يمنع من عودة كوادر إرهابية خطيرة كانت تقاتل في سوريا والعراق خلال الشهرين الماضيين.

وحسب مصادر أوروبية، فإنّ هذه الكوادر توجّهت خصوصاً الى بلجيكا وألمانيا وفرنسا التي رصدت الاجهزة الامنية فيها وصول 62 إرهابياً خلال الاسابيع الماضية.

وجانب الخطورة أنّ الكوادر الذين نجحوا بالوصول الى أوروبا هم على درجة عالية من الاحتراف الارهابي، حيث راكموا خبراتهم في هذا المجال خلال سنوات قتالهم في سوريا والعراق.

ولكن عملية اغتيال السفير الروسي حملت عنواناً سياسياً وإرهابياً على السواء. فاستهداف سفير روسي لا بد أنه نال قسطاً وافراً من التخطيط، ما يعني أنّ المنفذ بالتأكيد لم يعمل لوحده وأنّ منظومة كاملة داخل أجهزة الامن عاوَنته.

من هنا السؤال الروسي الملحّ حول ظروف قتل الارهابي بدلاً من اعتقاله، وحول كيفية اقترابه من السفير. وتروي مصادر أوروبية أنه خلال التعاون الأولي بين الروس والاتراك لم يستبعد الامن التركي احتمال حصول خرق من «جبهة النصرة» كون التواصل كان قائماً ودائماً بين الفريقين خلال مراحل التعاون، ما يُسهّل الايقاع بالأمنيين الاتراك.

لكنّ الجهة التي تقف وراء العملية وجّهت رسالة سياسية بتوقيت ممتاز لروسيا التي تدفع في اتجاه رعاية تسوية في سوريا والتي نجحت في إقناع واشنطن بعدم تحييد «النصرة».

إلا أنّ الأهم هو أنّ المستقبل لا يبدو وردياً، فالعمليات التي حصلت والتي من المتوقع أن تزداد في اوروبا وأدخلت الرعب الى المجتمعات الاوروبية، ستنعكس حتماً على مزاج الناخب الأوروبي لصالح وصول المتطرفين. وهذا واضح في المانيا مثلاً حيث تقف أنجيلا ميركل في موقف دفاعي.

وفيما تزداد كراهية الأوروبيّين للأجانب، ما سيُترجم في صناديق الاقتراع والخيارات السياسية، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ هناك احتمالات بدء صراع بين المسيحيين والمسلمين في أوروبا.

وفيما الامن الاوروبي بدأ التركيز على الاطفال بعدما استخدمهم «داعش»، غرّد الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، والذي سيتسلم سلطاته بعد اسابيع قليلة، بأنه يجب على العالم المتحضّر أن يغيّر تفكيره.

وما لم يَقله ترامب قاله مستشاره للأمن القومي الجنرال مايكل فلين: «الاسلام ليس ديانة بل عقيدة سياسية»، واضاف: «يجب أن نعلم، لقد أعلنوا الحرب علينا».

هو عالم يُبشّر بصراع عنيف ولكن ليس بالطريقة التقليدية بل تحت الارض، فيما لا يجب ان نطمئن كثيراً كلبنانيّين، فمنذ فترة اكتشفَ الجيش اللبناني صاروخ أرض جو لدى أحد الارهابيين، ورجّحت مصادر بأنّه كان سيُستخدم ضد طوافة عسكريّة. الإرهاب يضرب المدنيّين ليحدث ضجيجاً أكبر، ما يعني التركيز أكثر على أمن مطار بيروت الذي لا يزال يفتقر للكثير من إجراءات الحماية الجدية.