IMLebanon

إنطلاق الحوار مع صندوق النقد… والأصداء الدولية إيجابية تجاه الخطة

 

يواصل الدولار ارتفاعه الجنوني محطّماً الأرقام القياسية فيما الحكومة تكتفي بمحاولة إقناع حاكم مصرف لبنان بالتنسيق معها قبل «ارتكاب» مزيد من التعاميم، التي لا تنذر إلا بانفجار اجتماعي وربما أمني. رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الصرخة طالباً من الحكومة التصرّف وعدم الإكتفاء بالتفرج على الفلتان المالي، فيما سارع «الحاكم» يوم أمس الأول إلى لقاء رئيس الحكومة حسان دياب بعدما غسل الأخير يديه مما «ترتكبه» تعاميم «المركزي»، الذي يتحجج حاكمه بالاستقلالية التي يمنحه إياها قانون النقد والتسليف كي لا يعود إلى أي سلطة سياسية.

 

كان الهدف من اللقاء الذي عقد في السراي الحكومي بمشاركة وزير المال غازي وزني، الاستفسار من سلامة عن الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار وعن جدوى التعاميم التي سطرها في الأيام الأخيرة، والطلب منه ضرورة التنسيق مع الحكومة ووزارة المال. ولكن في ظل الأزمة الحاصلة وصعوبة احتوائها، كان التشديد على ضرورة التنسيق للحدّ من التدهور الواقع. تمحورت الأسباب التي وضعها سلامة أمام سائليه، حول سعيه للحفاظ على القدرة الشرائية للودائع الأجنبية ولو بنسبة معينة، من خلال صرف جزء من هذه الودائع بالليرة وفق سعر السوق وليس السعر الرسمي، بشكل لا يؤدي الى خلق تضخم نقدي وتدهور سعر الليرة أكثر، من هنا تحديد السقف بـ5000 دولار. ولذا، كان الظن أنّ نتائج اللقاء ستظهر سريعاً على سعر الدولار ليأخذ منحى هبوطياً، إلا أنّ «العملة الخضراء» راحت تحلق صاروخياً وسط دعوات متجددة لقطع الطرقات احتجاجاً على تدهور الوضع المالي والاقتصادي.

 

يرتبط الحدّ من ارتفاع سوق الصيارفة، كما يقول المطلعون على موقف وزير المال غازي وزني بثلاثة عناصر: أولها إستعادة ثقة المواطنين، ومن ثم تحسّن الظروف المالية والاقتصادية وإعادة تحريك العجلة، وآخرها عودة التحاويل الخارجية، مع العلم أنّها تتراوح اليوم بين 300 و400 مليون دولار شهرياً. صحيح أنّ الاستيراد تراجع بنسبة كبيرة لكنه لا يزال حتى الآن يقضم جزءاً كبيراً من التحاويل التي تصل الى الداخل اللبناني.

 

ولهذا، من واجبات المصارف تلبية زبائنها بالحدّ الأدنى، وعدم التحجج بمحدودية إمكاناتها الخارجية، لأنّ مسؤوليتها تلبية مطالب المودعين، كما يؤكد المطلعون.

 

ويرى وزير المال، وفق المطلعين، أنّ ارتفاع سعر الدولار لم يعد مسألة عرض وطلب وإنما صار موضع مضاربة واستغلال للأزمة الحاصلة، ولذا يفترض بالسلطات القضائية والأمنية التحرك فوراً وبشكل حازم حتى لو اضطر الأمر الى توقيف المضاربين ومن يتصرفون بأنانية وجشع غير أخلاقي. الحكومة طلبت من القوى المعنية التحرك لكن التفلت لا يزال مسيطراً، ولذا نطالب بمزيد من الحزم في المرحلة المقبلة.

 

ولذا بات السؤال حول خلفيات التحليق الجنوني لسعر الدولار، مشروعاً، كونه يثير الشكوك حول اعتبارات سياسية تقف خلف الفوضى المالية الحاصلة، يُراد منها تأليب الشارع وتطيير الحكومة.

 

وفق المطلعين على موقف وزير المال، الأكيد أنّ «هناك قوى سياسية تحاول بمختلف الوسائل إفشال الحكومة في مسارها عبر استهدافات سياسية ومصرفية ومالية، وهي تحاول استغلال الأزمة لوضع العصي بالدواليب، ولذا على الحكومة أن تكون أكثر تشدداً وحزماً بكل ما له علاقة بسعر الصرف».

 

وعما اذا كان مشهد الجلسات التشريعية جزءاً من هذا «الكارتيل المعارض»، يلفت وزني وفق عارفيه، إلى أنّ «قواعد اللعبة السياسية تقتضي توجيه الملاحظات إلى الحكومة، سواء كانت حكومة حسان دياب أو تلك السابقة، اذ لا كمال ولا مثالية في الأداء السياسي، ولكن الحكومة تقوم بواجباتها بشكل كامل، وهي نجحت في تحقيق انجازات لا يمكن تجاوزها في ما يخصّ احتواء جائحة الكورونا، وهي تحاول القيام بخطوات داعمة للأسر الأكثر فقراً، كما تعمل جاهدة لتحقيق خروقات في جدار الأزمة الاقتصادية من خلال خفض معدلات الفوائد على التسلفيات والإعفاءات الجمركية، فيما كانت تستعد لتنفيذ شبكة الأمان الاجتماعي التي تستهدف القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية من خلال طلب الاعتماد البالغ 1200 مليار ليرة». ويقول وزير المال لزواره: عملياً، علّق المشروع لأسباب سياسية بدليل تطيير النصاب الذي حال دون شرح مضمون الخطة ومناقشتها، فكيف تمّ الحكم عليه من جانب بعض النواب من دون الاطلاع على تفاصيله؟ هكذا، يفترض أن تتوجه الأنظار خلال الأسبوع المقبل إلى الخطة المالية التي تتم مناقشها مع الهيئات الاقتصادية والنقابات (سيعقد اليوم اجتماع مع مجموعة من الخبراء الماليين والاقتصاديين لتسجيل ملاحظاتهم)، كونها سترى النور خلال الأيام المقبلة لتقديمها بشكل رسمي للمجتمع الدولي المالي.

 

في مسوّدتها الاساسية، لاقت الخطة وفق المطلعين على موقف وزير المال أصداء دولية ايجابية، وتحديداً من صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي والمالي والدول والهيئات المانحة، مع العلم أنّ قرار طلب الدعم من «الصندوق» هو قرار سياسي.

 

ويكشفون أنّه منذ حوالى عشرة أيام انطلق الحوار مع صندوق النقد وكان أول الانطباعات إيجابياً وتمّ تسجيل بعض الملاحظات. كما عرضت الخطة على الدول والهيئات المانحة في «سيدر» بعدما أكد السفير الفرنسي في أكثر من مناسبة أن مشاريع «سيدر» لا تزال جاهزة وتنتظر سلّة الإصلاحات.

 

وتتلخص أهداف الخطة على النحو الآتي: إصلاح المالية العامة، إعادة هيكلة الدين العام الداخلي والخارجي، إعادة هيكلة النظام المالي أي مصرف لبنان والقطاع المصرفي والإصلاحات البنيوية للتحفيز الاقتصادي. ولذا فإنّ الإجراءات تندرج ضمن إعادة هيكلة النظام المالي وهي ستتم بشكل تدريجي، بعدما جرى التواصل مع شركتين عالميتين هما شركة KPMG وشركة KROLL للتدقيق في حسابات مصرف لبنان.

 

ويلفتون إلى أنّ «التدقيق خطوة بديهية في مسار إعادة هيكلة مصرف لبنان لإعادة تقييم وضعه المالي، أسوة بما يحصل حين سنصل إلى خطوة إعادة هيكلة القطاع المصرفي».

 

ويشيرون إلى أنّ «الإجراءات ستطال أقل من 2% من المودعين كما أكد رئيس الحكومة، أي أصحاب الودائع التي تتجاوز الـ500 ألف دولار، ثمة الكثير من الأفكار التي تناقش، لكن الخطة التي لا تتضمن أي تعبير «هيركات»، لن تحسم هذه الاجراءات ولا هوية المودعين الذين سيتأثرون ولا أعدادهم، لا بل في خطوات لاحقة».

 

في ظل الأزمة المالية العالمية غير المسبوقة اختلفت أولويات الدول والهيئات المانحة ما قد يسقط لبنان عن جدول اهتمامات هذه الدول، ولكن بالنسبة لوزير المال، وفق المطلعين على موقفه، «تقدّر حاجات الحكومة اللبنانية في السنوات الثلاث المقبلة بحوالى 15 مليار دولار، وبالتالي لن يكون الأمر صعباً على الدول المانحة وصندوق النقد اذا جرى التفاهم على برنامج معين، سدّ هذه الفجوة نظراً لأن متطلبات لبنان لا تشكل رقماً صعباً أمام الدول الكبيرة. الكلمة السر هي في تنفيذ الإصلاحات».

 

ويؤكدون أنّ السلطة التشريعية مستقلة وسيدة نفسها و»لذا لا يمكن التكهن بما سيحصل في الخطة حين تطرق أبواب البرلمان».