IMLebanon

صفعات مؤلمة تُهيئُها لنا، صفقة القرن

 

لبثت الولايات المتحدة عقب نشأتها على مدى عقود سلفت، متحلية بكثير من الصفات الحسنة التي وضعتها في موقع حضاري متميّز، فكانت في عهود قديمة سابقة، بلدا ديمقراطيا يحرص على ألاّ تتجاوز سياساته حدودا تمس الخطوط العريضة لذلك البلد الذي عرف في بدايات نشأته رؤساء عظاما كانت لهم بصماتهم المتميزة في تاريخ أمتهم التي قُدر لها مع مرور الزمن أن تكون القوة الأعظم على وجه الكرة الأرضية، وقد لبثت أحوالها تتسم بسياسة خارجية مطعّمة بشيء من الحكمة والحياء وبنثرات من الأخلاقيات التي طعّمت تعاملها مع مختلف شعوب العالم، إلى أن أمسكت بخناقها، الصهيونية العالمية التي سبق لها أن تموضعت في أوروبا.

 

حتى إذا ما أدركت أن الولايات المتحدة الصامدة في طاقاتها وأمكانياتها باتت تمسك بمقادير هذا العالم، نقلت وجودها وجهودها من أوروبا بما فيه انكلترا، تلك التي «أتحفتنا» بوعد بلفور، إلى الولايات المتحدة، ذلك البلد الواعد الذي طغت معالم طاقاته وإمكاناته العظمى على الساحة الدولية. وقد استغل الصهاينة جملة من الظروف والأوضاع بينها فئة أميركية أنجيلية التمذهب، تؤمن وتتصرف عملانيا على أساس أن عودة السيد المسيح إلى الظهور مرتبطة بعودة اليهود إلى الأراضي المقدسة، وهكذا ومع الوقت أمسك الصهاينة برقبة تلك القوة العظمى، وتبدّى ذلك بوضوح وعنجهية ووقاحة غير محدودة، مع مجيء الرئيس ترامب إلى الحكم بكل ما لديه من خلفيات ومكنونات ودوافع إنتخابية تستند إلى اليمين الأميركي المتطرف وفي طليعته، أولئك الإنجيليين الغارقين في اسرائيليتهم حتى الثمالة. آخر طبعة من طبعات الوجه الصهيوني للولايات المتحدة تمثلت بترامب، وأبرز الوجوه التي أطلت على الأمة العربية جمعاء. صهره وكبير مستشاريه اليهودي الصهيوني جاريد كوشنير، الذي يقود ترامب من خلاله ومن خلال من يمثل، سياسة الولايات المتحدة، خاصة فيما تعلق بالقضية الفلسطينية وبما تفتّق عنها مؤخرا من تصرفات أميركية مخزية وأهمها ما يختزنه لنا ترامب و«صهره العزيز» من مشاريع لم يجرؤ سواه من الرؤساء الذين سبقوه على اعتمادها وهي متمثلة خاصة بما أسماه «صفقة القرن»، وقد مهّدَ لها بجملة من التصرفات العملانية متمثلة بنقل سفارة أميركا إلى القدس والبدء بإلغاء الوجود الفلسطيني والدولة الفلسطينية بجملة من القرارات والتصرفات المعروفة والتي باشرها صهره كوشنير بجملة من الإتصالات والتصريحات والدعوات التبشيرية، بل وبجملة من التصرفات العملانية التي تواكبها اليوم، ربما بتخطيط مسبق أو بمصادفة تاريخية غريبة متمثلة بجملة من الأضطرابات الهائلة التي باتت تطاول العالم العربي مستغلة ثغراته وفجواته الهائلة التي جعلت من شعوبه جملة من المستعمرات المحكومة في الغالب بجملة من العملاء صنيعة المصالح الذاتية وشركاء بعض القوى الغربية في اقتسام مغانم بلادهم على حساب شعوبهم التي أغرقها سلفا في جملة من الخلافات والإنشقاقات والملفات الإقتصادية والمعيشية التي دفعت بأوضاع تلك البلاد إلى أن تكون قابعة على فوهة جملة من البراكين التي تنذر باهتزازات هائلة تطاول المناطق العربية وتهددها بما اصطنعته من المشاريع التغييرية المشبوهة، والهدف الأساسي من كل هذه التحولات النارية الملتهبة، تعزيز وجود الكيان الصهيوني وتحقيق ما أمكن من طموحات الصهاينة لاستكمال الإستيلاء على أرض فلسطين العربية، ومد وجودها إلى ما أمكنها من محيطها في منطقة الشرق الأوسط، وتمكينها من أن تكون الدولة المهيمنة على هذه المنطقة المختزنة لأهم الثروات الطبيعية في العالم، وها هو نتانياهو اليوم يسبح في بحر القرارات الأميركية الترامبية التي وهبته بقرار يناهض كل ما سبق التوافق عليه بصدد حلّ الدولتين لتكون «الهبة» الأميركية الترامبية شاملة لكل فلسطين ولدفع أهلها الذين باتوا خارج إطار الدولة اليهودية وقراراتها العنصرية التي جعلت من أهلها الأصليين مواطنين من الدرجة الثانية، مجردين ولو تدريجيا من حقوقهم كافة، مُطارِدةً وجودَهم في أراضيهم، ومصادرةً ما أمكنها من تلك الأراضي لمصلحة مستوطنين من شذاذ الآفاق اليهود، وها هو ترامب، المستعلي والمتسلط والمضطرب في فكره وتوجهاته وصوابية قراراته يهِبُ كلّ الحقوق الفلسطينية وبعض الحقوق العربية (الجولان) إلى أحبابه الإسرائيلين، ولا يقف بنا الأمر عند هذه الحدود، فالآتي أعظم، متمثلا بما سيتحفنا به ترامب وصهره كوشنير، في إطار صفقة القرن، تلك الصفقة-الصفعة التي بدأت «تباشيرها» تهز العالم العربي بكل أنواع التوقعات السيئة.

 

فهل نصحو جميعا ونتنبه إلى ما يرسم لنا ولأوطاننا ولمستقبل أولادنا من مصائب يبدو أن بعضا من أنظمتنا تتهيأ أو يهيؤونها لأن تكون جزءا من تلك المؤامرة العملاقة التي أطلقوا عليها تسمية صفقة القرن. إنه امتحان تاريخي جديد لأمتنا المتراجعة في مواقعها جميعا، وهو بحجم خطير: نكون أو لا نكون… تلك هي المسألة، وهذه بوادر تحدياتها المصيرية، ولبنان ، الذي يعاني من تداعيات إقتصادية وتنموية وانتمائية ليس ببعيد عن تلقّي بعض أخطارها وأضرارها.