IMLebanon

التصويب إلى الداخل بدل الخارج

 

عندما ينكشف خداع وكذب الأنظمة والمُنظّمات الفاشلة، وأكثر من ينطبق عليه هذه الصفة حالياً، هو محور المُمانعة، وعندما تتبيّن أنّ شعاراتها وعناوين معاركها النضالية، ليست إلا أوهاماً، وعندما يظهر ضعفها ضد العدو المُفترض، كونها انشغلت بقمع شعوبها وليس بالتحضير لمواجهته، وعندما تدخل مذلولةً، في قواعد اشتباك معه، وفي تطبيق تكتيكاتٍ موضوعة من قبله، وتحترم المسموح، لإطلاق الصواريخ البالية عليه، تظهر الحقيقة المرّة بأنّ فوهات مدافع ورشّاشات المحور وأذرعته، موجّهة فعلياً نحو الداخل، ولم تنوجد بالأساس لحروب الخارج.

أثبتت الأحداث الدولية على مدى قرون، صوابية المعادلة القائلة، إنّ أي قوة أو سلاح لا يُستخدم، عند الحاجة، ضد الخارج، سيرتد فوراً إلى الداخل، ليطمس جريمته وتقاعسه، وليحمي دوره. وبحالة سلاح «حزب الله» غير الشرعي، الذي نشأ، حسب دعايته، لازالة اسرائيل من الوجود ولتحرير القدس وفلسطين، فإنّ عدم استخدامه في اللحظات المُناسبة لتطبيق الحلم والهدف، الذي وضعه أمام قواعده، يُحتّم استعماله في الداخل لفرض التسويات التي دخل فيها. فلا شيء يُخفي زيف الادعاءات الكاذبة التي سنحت له التسلّط على البلاد والعباد والقواعد، إلا القمع وإسكات الأصوات التي تزعجه وتفضح كذبه.

وهذا ما بدأنا نشهد تصاعداً لخطواته من قبل اجهزته المتعدِّدة الادوار. فحين استنهضت إسرائيل مجتمعها وجيشها، وكسرت كل قواعد الحروب والمعايير الإنسانية، على الجبهتين، الجنوبية مع غزّة، والشمالية مع لبنان، تراجعت قوى محور المُمانعة، وتجنّبت المواجهة المفتوحة، وعمدت لاحترام القواعد التي كانت سارية زمن الهدنة، بالرغم من تدمير غزّة وتقصّد إسرائيل القضاء على «حماس»، ليدخل «حزب الله» فوراً، بمباحثاتٍ حول سبل تنفيذ القرار الاممي 1701، محاولاً حصر ذلك بالبنود التي تعني أمن إسرائيل، وليس الأمن على الأراضي اللبنانية، متعمّداً، طرح التسويات التي تخدم استمرارية سلاحه ودويلته، بمكاسب ينالها لتحمي هذه الاستمرارية، بدءاً من تسوية رئاسية لصالحه، وطبعاً بتحضير الأجواء الوطنية، لقواعد اشتباك حماية متبادلة بين هدوء الجبهة الشمالية لاسرائيل واستكمال قبضه على السلطة في لبنان.

ولحسن تنفيذ هذه الخطة الجهنّمية، دفع بأجهزته وأبواقه لشن هجمات إعلامية وقانونية على رجال دين سياديين، حريصين على منع الفتن الداخلية الطائفية، يقفون سداً منيعاً امام محاولاته لنشر الفتن والمشاكل في الساحات الداعمة للقوى السيادية. فحرّك أعوانه للتهجّم على مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، لأنه أوقف بعض العاملين بتوجيهات الدويلة، وأرسل مجموعات خادمة للدويلة، للادعاء على مطرانين يقومان بأعمالهما الرعوية والكنسية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، منذ نشأت دولة اسرائيل. أدار «حزب الله» فوهات معركته نحو الداخل عندما انكشفت مسرحيته المدروسة والمضبوطة مع الخارج، ويُحضّر لأحداث تُشبه 7 ايار غير الشرعية، التي نتجت عن قرارات 5 أيار السيادية.

لم تعمد الأنظمة الفاشلة، والمُنظّمات الايديولوجية، يوماً لمُراجعة ذاتها وأدائها وطُروحاتها، لأن ذهنيتها المنغلقة وأفكارها الفئوية تمنعها من ذلك، وتسجنها في علبٍ حديدية لا حياة فيها، ولا مُتنفّس لها، ولا عقلانية لديها. ولذلك، نشهد في لبنان منذ سبعينات القرن الماضي، الكثير من الحروب، تارةً باسم القوميات، انتهت بالبحث عن مأوى لها في بلادٍ أخرى، وتارة باسم الصمود والتصدّي، انتهت بالتدمير الداخلي لبلادها وقتل شعبها، وتارةً باسم الحقوق الاجتماعية والعددية، فانتهت بحفلة محاصصات سلطوية، وتارة باسم الطوائف، فانتهت بطروحاتٍ ايديولوجية دينية، وباسم القضية الفلسطينية، فانتهت بمشروع الوطن البديل، وتارةً باسم المناصفة والحقوق، فانتهت، بتقاسم السلطة، ودائماً، باسم القدرة على ازالة إسرائيل، وانتهت بالاختباء بالأقبية والدهاليز الأرضية، وباسم المُمانعة للمؤامرات الدولية، وانتهت بمُمانعة قيام الدولة اللبنانية وسيادتها، والسطو على مقدراتها.

التصويب للخارج كذبة ووهم، والتصويب للداخل حقيقة وجريمة، وكما كُشفت خدعة التصويب للخارج، ستنجلي الحقيقة حول مشروع التصويب على الداخل، وسيسقط عملاؤها، لان الداخل أقوى من الخارج، بالقدرة على منع مؤامرات بعض الخارج، وخداع بعض الداخل.