IMLebanon

طريق العودة إلى الميثاقية يمر من قبرشمون؟!

 

مشكلة جديدة في لبنان

 

منذ ان أصبح «التيار الوطني الحر»، بكتلة نيابية، بوزير أو أكثر، داخل اللعبة السياسية اللبنانية ظهرت مشكلة جديدة في لبنان، تتمثل هذه المشكلة بعناصر عدّة، أبرزها السعي لانتزاع حصرية تمثيل مسيحي على مستوى الدولة، سواء في المؤسسات المدنية أو العسكرية، القضائية أو النقدية، والتطلع إلى ما يسميه شراكة في المؤسسة الاقتصادية، والسلطات النقدية والعسكرية والقضائية، وصولاً إلى «الميدل ايست»، والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والاعمار… إلخ.

 

أغرت «التيار الوطني الحر» الغريب عن التجربة اللبنانية، سواء قبل الطائف أو بعده، فكرة حصرية التمثيل، وانتزاع الحق بالتمثيل والفيتو، والتعطيل، تحت مسميات بالغة الخطورة، تارة الميثاقية، وتارة الشراكة الحقيقية، على نحو ما فعلت أو ما تزال تفعل «القوة السالبة» لحقوق الطوائف في الدولة، والوظائف، والانصهار الوطني، والعيش كمواطنين، لهم حقوق طبيعية، لا صلة لانتماءاتهم الطائفية أو المذهبية، أو حتى العرقية، أو «اللونية» (نسبة إلى اللون).. غير عابئة بشيء: لا الدستور، ولا الحقوق الطبيعية، التي تحدث عنها فلاسفة التنوير الأوروبي، من امثال لوك، وبودين، وروسو، وغيرهم.. وغير عابئة أيضاً بحقوق الإنسان، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يتباهى ما يُطلق على نفسه اليوم «الفريق الميثاقي» بأنه ينتمي إليه بشخص وزير الخارجية بعد الاستقلال، الارثوذكسي، اللبناني، الشمالي، شارل مالك.

 

ومنعا للإطالة، تنص المادة 23 من الإعلان العالمي، في بند 1 «لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، كما ان له حق الحماية من البطالة».

 

والاهم ما جاء في الديباجة لجهة ان «يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم».

 

وفي فقرة سابقة من الديباجة، جاء: «لما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد افضى إلى أعمال همجية أذت الضمير الإنساني».

 

مناسبة هذا الكلام، قبل الذهاب إلى المادة 95/د، ما أعلنه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (وهو وزير سيادي ورئيس تكتل نيابي كبير) حول المادة 80 من قانون الموازنة 2019، في «يوم العرق اللبناني» في زحلة البقاعية، مساء الجمعة الماضي، بحضور مؤسس التيار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، معتبراً ان «ما حصل في مجلس النواب في المادة 80 من قانون الموازنة، ليس بسيطاً لناحية الإخلال بالتوازنات والتفاهمات والاتفاقيات»، متسائلاً: «ما هي المصلحة اليوم في ايقاظ المخاوف والهواجس التي اعتقدنا اننا تخلصنا منها».

 

تتعلق المادة 80 «بوقف التوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة»، وبعيداً عن فذلكة النص الكامل، تحفظ الفقرة الأخيرة منها حق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، وتنص حرفياً (الفقرة) على حفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناء على قرار مجلس الوزراء وأعلنت نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات المعنية.

 

أوقف باسيل باعتراضه العلني، توقيع الرئيس عون على قانون الموازنة ليصبح نافذاً، وينشر بالجريدة الرسمية..

 

في كلام باسيل نقطتان، يجدر التوقف عندهما:

 

1 – الإخلال بالتوازنات والتفاهمات والاتفاقيات.

 

2 – ايقاظ المخاوف والهواجس التي اعتقدنا اننا تخلصنا منها.

 

والأخطر ان ما حصل في مجلس النواب في ما خص المادة المذكورة «ليس بسيطاً»..

 

أثارت خطوة باسيل جملة من الأسئلة، بعضها مشفوع بمواقف:

 

1 – يفاخر التيار الحر، بأن لديه أكبر كتلة نيابية. أين كان نوابه عندما كانت تناقش هذه المادة، وهل مرَّت هذه الفقرة على عضو التكتل وأمين سره رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان، أم أضيفت؟.. ليس من السهل اعتبار هذه الفقرة «خطأ مطبعياً» وليس من السهل ان تضاف هذه الفقرة، بعد التصويت على الموازنة.

 

وإذا كان الأمر، على هذا النحو، يصبح السؤال: مَنْ يخلّ بالمناقشات والتفاهمات، وحتى التشريعات؟! أليس التيار الوطني الحر، وكتلته النيابية ورئيسه؟

 

2 – ما هي التوازنات التي يجري الإخلال بها؟

 

إن الخلل الكبير بالتوازن، لا يتحمل مسؤوليته المسلمون اللبنانيون، ولا حتى الدول العربية، التي دفعت من وحدتها الحضارية والجغرافية والسياسية مخاطر التآمر الغربي عليها، من الانقلاب على اتفاقيات مكماهون – حسين، وسايكس – بيكو، ووعد بلفور، وقرار التقسيم، وإعلان الدولة العبرية. فقيام لبنان الكبير، استدعى مشاركة من البطريرك الحويك ومفتي المسلمين.

 

هذا يستدعي من «الوزير الوصي» على الدولة، الخروج من «شرنقة الهندسة»، والإندماج في التاريخ.. فبعد النتائج التي أسفرت عنها الحرب الأولى، وتشكّل المفاوضات في مؤتمر الصلح في فرساي وقبله، كان المفاوض اللبناني سواء برئاسة داود عمون، الذي حمل قرار مجلس إدارة جبل لبنان (في 9 تشرين أول 1918) إلى مؤتمر الصلح، مطالباً بـ«توسيع نطاق جبل لبنان إلى ما كان معروفاً به من التخوم تاريخياً وجغرافيا، وما تقتضيه منافعه الاقتصادية بحيث يكون بلاداً قادرة على القيام بحياة شعوبها ومنافعهم وثرواتهم وبحكومة راقية منظمة».

 

وللمنفعة، والجدوى، أصدر الجنرال غورو في آخر آب 1920 مرسوماً بضم بيروت والبقاع وطرابلس وصيدا وصور إلى متصرفية جبل لبنان.. وفي 1 أيلول، أعلن قيام دولة لبنان الكبير، في قصر الصنوبر بين البطريرك الماروني (عن اليمين) والمفتي الشيخ مصطفى نجا (عن اليسار).

 

وترتب على ذلك، مضاعفة مساحة لبنان، وتحكم المرفأين اللبنانيين بيروت وطرابلس بتجارة سوريا، وتضاعف عدد السكان (629000 نسمة، زيد عليهم لاجئو الأرمن ما بين 1915 و1922)، وتقلصت الأكثرية المسيحية.. وأصبح للبلد منافذ على البحر، وقدرة على الاستمرار كدولة..

 

لا بأس، أنهِ التوازن الجغرافي، والسكاني، والديمغرافي، وعُد إلى لبنان الجبل – المتصرفية، الصغير، ولا تنسى قبرشمون، وتداعياته، ورفض النائب السابق وليد جنبلاط المصالحة في قصر بعبدا، بعد التطورات الجارية، ومنها المادة 80..

 

3 – ثمة سؤال عن «التفاهمات والاتفاقيات»، هل هي تتعلق بالدستور 95 منه، مثلاً؟ أم بالتمرد على الدستور، الذي تنص المادة 12 منه على حق كل لبناني «في تولي الوظائف العامة ولا ميّزة لأحد على الآخر الا من حيث الاستحقاق والجدارة، وحسب الشروط التي ينص عليها القانون».

 

إذا ما ردَّت الموازنة بقانونها إلى المجلس، كيف يُمكن لهذه الفقرة ان تكون مخالفة للقانون مثلاً؟.

 

4 – ما هي الهواجس والمخاوف: هل هي مخاوف مسيحية من النمو السكاني للمسلم اللبناني؟ هل هي مخاوف من أن تصبح الإدارة بيد المسلمين؟ هل هي مخاوف وهواجس من المادة 59/د؟

 

ان الشاب اللبناني، والصبية اللبنانية هي التي بات لديها مخاوف وهواجس من تحكم فريق واحد بمجريات الدولة ومؤسساتها!

 

وماذا تعني المادة 95 «الفقرة ب»؟ هل تعني عدم تعيين الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية مثلاً.. حتى النص القديم للمادة المذكورة، بما في ذلك صك الانتداب، تحدث عن ان تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة.. دون ان يؤول ذلك إلى الاضرار بمصلحة الدولة.. الأفضل من العودة إلى النص القديم.. العودة إلى لبنان القديم.. وعن طريق قبرشمون؟!