IMLebanon

تركيا تواجه تحريضاً مبرمجاً على الإرهاب

تكالب «الارهاب» مؤخرا على تركيا من منابع متعددة اثارتها استدارة انقرة نحو خيارات موسكو الاقليمية. وذلك برغم ان ظروفا داخلية وخارجية فرضت عليها هذه الاستدارة، ليس اقلها حماية الداخل من احتمال قيام كيان كردي انفصالي في المناطق الحدودية السورية، أو تلكؤ الولايات المتحدة في دعمها لقيام مناطق آمنة داخل الاراضي السورية، أو مدّها المعارضة السورية بأسلحة فعالة، الى جانب احتضانها المناهض للحكم التركي عبد الله غولن ودعمها لمنظمات كردية تعتبرها انقرة ارهابية. يضاف الى ذلك خيبة الامل من الاتحاد الاوروبي الذي لم يكتف بالقضاء على حلمها بالانتساب اليه، بل حتى تخلّى عن الوعود بإعفاء مواطنيها من سمة الدخول الموحدة الى بلدانه (منطقة شنغن).

وتدل العملية الارهابية الاخيرة التي استهدفت اشهر ملهى ليلي في اسطنبول عشية رأس السنة وأدت الى مقتل 39 شخصا من جنسيات عربية وأوروبية وخصوصا تركية، على احتمال انخراط تنظيم «داعش» فعليّا في العمليات الارهابية على الاراضي التركية بسبب تخلي الرئيس رجب طيب اردوغان عن حلب بما سمح للنظام باستعادتها، اضافة الى ان تعويض «داعش» عن تقلص رقعة سيطرته الجغرافية سيكون عبر عمليات مشابهة. فهي المرة الاولى التي يتبنى فيها «داعش« في بيان رسمي عملية من هذا النوع، فيما كان الاتهام يوجه إليه احياناً من قبل السلطات الرسمية التي غالبا ما كانت تحمّل «حزب العمال الكردستاني» الانفصالي المسؤولية.

لكنّ ثمة اطرافاً اخرى قد تكون محرضة لمفاقمة العمليات الارهابية في تركيا. فلا الولايات المتحدة ولا الغرب بكامله، خصوصا ان الجيش التركي هو ثاني اقوى جيش في حلف شمال الاطلسي، يرحبّان بالتقارب الروسي – التركي الذي قد يمهد لتفاوض سياسي يكونان خارجه. كذلك لا ترحب ايران ولا النظام السوري بهذا التقارب الذي سيكرس لتركيا حصة في مستقبل سوريا والذي قد يؤدي الى تفضيل الحل السياسي على استكمال الحل العسكري الذي يرغبان فيه.

ويلفت ديبلوماسي عربي الى ان التنظيمات الارهابية على غرار «داعش» غالبا ما تكون عرضة لاختراق غالبية الاستخبارات التي تستغلها لتحقيق مصالحها، مذكرا بمثل «تنظيم ابو نضال» الفلسطيني في القرن الماضي.

اما مع تركيا وروسيا فالفائدة متبادلة. تركيا استفادت من المساعدة على اقامة منطقة شبه عازلة في بلدتي الباب ومنبج عبر القصف الجوي الروسي الذي سبق ان تقاعس عنه الاميركيون. اما روسيا فان انجازها هدنة في سوريا يقوي موقعها ويساعدها على استقبال الرئيس الجديد دونالد ترامب الذي يتسلم مهامه رسميا بعد نحو اسبوعين، خصوصا في ظل العقوبات الاميركية الاخيرة التي طالتها، وهي الاهم منذ انتهاء الحرب الباردة، وتمثلت بطرد الرئيس باراك اوباما 35 ديبلوماسياً روسياً بتهمة تدخلهم في الانتخابات الرئاسية، يضاف اليها رسم وزير خارجيته جون كيري خطوطا لما يمكن ان يكون عليه حلّ النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي بما يصعب على ترامب حرية التحرك لاحقا..

فعملية الملهى الليلي في اسطنبول ليست أولى العمليات الارهابية وقد سبقها اغتيال السفير الروسي في انقرة عشية الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وايران الذي انتج اعلان موسكو عن هدنة في سوريا. لكن هذه العملية لم تؤد الى توتر العلاقات الثنائية اسوة بما جرى في اعقاب اسقاط المقاتلات التركية طائرة روسية العام الفائت. وهذه اول هدنة تغيب عنها الولايات المتحدة خصوصا ان وقف اطلاق النار جاء هذه المرة شاملا لكل المناطق، مستثنيا فقط «داعش»، مع معلومات متضاربة عن شموله «فتح الشام» اي «جبهة النصرة» سابقا. ولم يقتصر هذا الاعلان على وقف اطلاق النار انما شمل آليات المراقبة واعلان الاستعداد لبدء محادثات السلام. وقد توج مجلس الامن بقرار دولي دعمه هذا الاعلان.

والهدنة الاخيرة ثمرة تقارب موسكو وانقرة وحددت استانا، عاصمة كازاخستان، مقرا للتفاوض بين النظام والمعارضة بضمانة روسيا للطرف الاول وضمانة تركيا للطرف الثاني. وهي ثالث هدنة للعام 2016 ، الاوليان اعدتهما موسكو وواشنطن ولم تعمرا طويلا وكانتا تتعلقان بمناطق جغرافية محددة.

وتبدو الهدنة صامدة رغم مساعي النظام لزعزعتها خصوصا عبر تركيز هجماته على وادي بردى لتهجير سكانه وهو آخر تجمع سني كبير في محيط العاصمة دمشق.