IMLebanon

حاجات المراهق النفسية

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

مرحلة المراهقة هي إحدى المراحل التي يمرّ بها كلّ إنسان، وهي جسر عبور ما بين مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد. وطبعاً للمراهقة خصائصها الاجتماعية والنفسية والسلوكية… وكلّ مراهق يعيش مراهقته بطريقته الخاصة. وللمراهق نفسُ الحاجات الجسدية التي يطلبها الأطفال والراشدون. أمّا بالنسبة للحاجات النفسية فتختلف كلَّ الاختلاف. ما هي حاجات المراهق النفسية بشكل عام؟ وكيف يمكن للوالدين أن يتعاملا مع هذه الحاجات؟

ليس أوضَح من بداية مرحلة المراهقة عند الإنسان. خلال هذه المرحلة الفاصلة، يترك الطفل «طفولته» ويسعى للشعور بالحرية والاستقلالية عن أهله. فنراه يتمرّد وينزعج من أيّ سلوك موجَّه تجاهه. واختلفت تقسيمات المراهقة، فالبعض يعتبر أنّ هذه المرحلة الدقيقة من حياة الإنسان تبدأ عند نهاية الطفولة، أي في عمر 12 سنة، وتستمر حتى عمر 18 سنة وصولاً إلى 21 سنة. أمّا البعض الآخر من العلماء، فاعتبَر أنّ مرحلة المراهقة تمتدّ من عمر 18 سنة حتى 23 سنة… وبالرغم من اختلاف تحديد المرحلة الزمنية للمراهقة، أجمعَ كلّ علماء النفس على أنّ هذه الفترة أساسية في تحديد شخصية الإنسان. وتُظهر عدّة حاجات للعلن عند المراهق، إذ يسعى كلّ مراهق لكسبِ تلك الحاجات بمساعدة أهلِه أو أصدقائه. ومِن أهم الحاجات التي يساعد الأهل فيها ولدَهم المراهق بشكل أساسي هي التالية:

الحاجة إلى الوجود ضِمن جماعته

كلّ مراهق بحاجة إلى أن يشعر بأنه ينتمي إلى جماعةٍ ما، وهذه الجماعة تهتمّ وبه وترعاه. هو يريد أن يكون شخصاً مهمّاً وأن يكون له مكانة في جماعته (في العائلة أو المدرسة أو حتى في الحي الذي يسكن فيه). وطبعاً خلال هذه المرحلة، يتوق المراهق إلى أن يكون لديه مكانة تشبه مكانة أبيه (أو مكانة الراشدين أو أشخاص مشهورين) لذا يكوّن المراهق في رأسه شخصاً يصبح مَثله الأعلى، لذلك نرى أحياناً انحرافاتٍ عند بعض المراهقين بسبب هؤلاء الأشخاص الذين يتّخذونهم مثالاً أعلى.

الحاجة إلى الاستقلالية

منذ صِغره، يطلب الطفل الاستقلالية ويسعى إليها. وعندما يصبح في عمر المراهقة، يُعبّر الشاب أو الشابة عن حاجتهما إلى الابتعاد عن الأهل وتأسيس «جماعة» خاصة بهما تكون عادةً مؤلّفة أيضاً من مراهقين يسعون جميعاً للاستقلالية.

فيتوق المراهق إلى التخلّص من قيود الأهل ليشعرَ بأنّه مسؤول عن نفسه. لذا يطلب غرفةً خاصة به ويطلب مساحةً لا يتدخّل بها أحدٌ سوى أصدقائه المراهقين، فيبتعد عن معظم أفراد عائلته ويتقرّب بالتالي من أصدقائه. ويَكره المراهق كلَّ أشكال «وصاية الأهل»، لذا يُمانع كثيراً زيارةَ أهله إلى المدرسة لأنّه يراها نوعاً من الطغيان ودلالةً واضحة على الوصاية عليه.

المعاملة الحسنة و«الناضجة»

إنّ المراهق عادةً شخصٌ حسّاس جداً، ويحب أن يعامله أهله والأشخاص المحيطون به وكأنّه شخص راشد. هو يَكره أن يُعامَل معاملة الأطفال أو أن يُطلب منه القيام بأعمال مخصَّصة للأطفال. لذا على الأهل أن ينتبهوا على ما يطلبونه من أولادهم المراهقين وأن يتصرّفوا معهم على أساس أنّهم راشدون بالرغم من أنّ تصرّفاتهم ما زالت «ولّادية» بعض الشيء. لذلك نرى في المدارس أنّ المعلّم الذي يكسب محبّة واحترام طلّابه المراهقين هو الذي يعاملهم على أنّهم مسؤولون وراشدون، والعكس صحيح.

الحاجة الجنسية

خلال المراهقة، تظهر الحاجة للصداقة وللتعرّف على الجنس الآخر. كما يكتشف المراهق خلال هذه المرحلة الحياةَ الجنسية، مِثل الاستمناء والغزل وربّما العلاقة الجنسية الكاملة أو غير الكاملة. ولكن يبقى المهم في هذا المضمار أنّ التربية الجنسية أساسية لتوعية هذا المراهق الذي يحاول أن يؤكّد رجوليّته من خلال ممارسته للعلاقة الجنسية (أكانت علاقة كاملة أو غزل فقط).

أسئلة جديدة… واهتمامات جديدة

خلال عمر المراهقة، يبدأ المراهق بنوع جديد من النشاطات لم تكن ظاهرة خلال طفولته. كما يُظهر اهتمامه بمواضيع جوهرية كـ»الحياة» و»الموت» و»الكون»… ويبدأ بطرح العديد من الأسئلة التي تقع جميعها تحت خانة «فلسفة الحياة». فما من أجوبة محدّدة وعِلمية لهذا النوع من الأسئلة. بل هي أسئلة عامّة ويُمكن من خلالها أن تتفرّع آلاف الأسئلة الاخرى. لذا ينصبّ اهتمام بعض المراهقين حول مواضيع «ميتافيزقية وكونية» وربّما أسئلة دينية أيضاً.

دور الأهل

للأمّ والأب دورٌ أساسي في تربية أطفالهم، فماذا لو كان أطفالهم مراهقين. إلى الأهل إذاً بعض النقاط التي يجب أن ينتبهوا إليها في تعاطيهم مع أولادهم المراهقين:

  • إحترام آراءِ أولادهم مهما كانت، والتحدّث معهم بهدوء، بعيداً عن العصَبية. المراهق شخص حسّاس جداً، ولا يحب المشاكل. في الوقت نفسه، لا يَقبل أيّ ملاحظة مزعجة عنه أو عن تصرّفاته، لذا عندما يقرّر الأهل أن يوجّهوا ملاحظة له، يجب أن تكون مبطّنة وبطريقة غير مباشرة.
  • تخصيص وقتٍ للمراهق الذي هو بحاجة لوالديه على حدّ سواء. فيمكن للأب أو الأم أن يُخصّصا وقتاً للخروج والتسكّع أو للتبضّع مع المراهق لوحده مثلاً. ويمكن للأهل أن يدعو مراهقهم إلى مطعم وتمضية بعض الوقت الممتِع هناك… تساعد كلّ تلك التصرّفات في تقوية العلاقة ما بين المراهق وأهله.
  • التربية الجنسية أساسية للمراهق. فلا يجب أن يتهرّب الأهل من الأسئلة التي يمكن أن يسألها المراهق. وإذا لم يجب الأهل على تلك الأسئلة، سيبحث المراهق عن شخص آخر وربّما صديق مراهق مِثله وسيسأله الأسئلة نفسَها. وقد لا تكون أجوبة هذا الصديق دقيقة وعِلمية بما فيه الكفاية. كما أنّ للمدرسة دوراً أساسياً في التفسير للتلاميذ المراهقين عن التربية الجنسية بوجود الأخصائي النفسي في المدرسة والطبيب أو ممرّضة المدرسة.
  • التصرّف السوي للأهل يخلق تصرّفاً سويّاً عند المراهق، والعكس صحيح. لذا، الأهل الذين يكذبون على أولادهم، سيتعلّم أولادهم منهم هذا المبدأ بالطبع وسيكذبون بالتالي على أهلهم.
  • إحترام خصوصية المراهق وعدم دفعِه للقيام بأشياء لا يريد القيام بها.
  • التوجيه الاجتماعي والديني أساسي في مرحلة المراهقة.